أهنئ الشعب الجزائري بصفة خاصة والدول العربية الإسلامية والدول الإسلامية بمناسبة المولد النبوي الشريف لعام 1436ه
وبعد :الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أحيا به الله القلوب، وأنار به العقول، وأسمع به الآذان، وبصر به العيون، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
تعلق الأمم برموزها
الأمم اليوم تتعلق برموزها، فتنصب لهم صوراً تذكارية، وتطوف بهم وتقدسهم، وتردد الثناء عليهم صباح مساء، ونحن لا رموز لنا، لا قداسة أرضية، ولا طقوس، وليس عندنا إلا رجل واحد جعله الله إماماً لنا، ولكنه معصوم، وقدوة لنا لكنه صادق، ومعلماً لنا لكنه فاتح، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
أمي لا يقرأ ولا يكتب، ما حمل قلماً ولا كتاباً ولا دفتراً، لكن أفاض الله الوحي على قلبه، فحفظ القرآن كله، والسنة كلها.
وعند الناس رموز؛ لكنهم سفكة للدماء، وطغاة في الأموال، ومعتدون على الأعراض، وعندنا رجل لكنه يحمل العفاف والطهر والنزاهة والعدل والحق.
تجلى مولد الهادي وعمت بشائره البوادي والقضايا
وأهدت للبرية بنت وهب يداً بيضاء طوقت الرقابا
لقد ولدته وهاجاً منيراً كما تلد السماوات الشهابا
مولده صلى الله عليه وسلم ونشأته
تقول آمنة: حملته فما أحسست بالحمل، ولما ولدته ولدته ساجداً على الأرض، ومن أول لحظة وهو يسجد لله الواحد الأحد، وقبل أن تلده بليلة رأت كأن نوراً خرج منها فأضاءت له قصور الشام، وقبل أن تلده مات أبوه فنشأ يتيماً، واستمرت معه فترةً ثم ماتت، فبقي اليتيم عليه الصلاة والسلام في اليتم والفقر والظمأ والجوع؛ ليتعلق بالله، وذهبت به حليمة السعدية إلى بادية بني سعد، قالت حليمة: كنا في فقر مدقع، وفي سنة مجدبة والله ما أمطرت علينا ذاك العام قطرة، ولا نبتت في مراوحنا نبتة، فما وصل عليه الصلاة والسلام وهو طفل إلى ديار بني سعد، إلا وغمامة ملأت السماء فأمطرت حتى سالت الأودية، وامتلأت الأودية عشباً أخضر، وحلبوا حتى ملئوا الآنية، وكانوا في رغد من العيش.
وإن الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء
تقول حليمة وقد أسلمت رضي الله عنها: كان إذا أظلم الليل، خرج صلى الله عليه وسلم من الخيمة وهو طفل عمره سنتان، ينظر ويتفكر في النجوم، لا إله إلا الله! طفل عمره سنتان يتفكر في النجوم والسماء في الليل، سبحان من علمه! وسبحان من أحكم إرادته! وسبحان من أنبته نباتاً حسناً!
ترده إلى الخيمة، فيخرج وسط الليل لينظر في السماء، من خلق السماء؟ ومن خلق النجوم؟ ومن أبدع الكون؟
حادثة شق الصدر
تقول حليمة: وخرج مرة من المرات مع أخيه من الرضاعة يرعى البهم.
وراعي البهم هذا سوف يرعى الأمم، في ثلاثة أرباع الدنيا، هذا الراعي دخل قواده فصلوا وسبحوا في قرطبةوالبرتغال والسند والهند، هذا الراعي أخرج الأمة الضعيفة المسلوبة المظلومة من الجزيرة، فصلت في ضفاف دجلة والفرات، وأذنت في صنعاء وكابل.
قالت: فلما خرج يرعى البهم أتاه رجلان، فبطحاه أرضاً وشقا صدره، وأخذا علقة من قلبه!
من هم الرجلان؟
أرسل الله ملكين اثنين، فأخذا طستاً من ذهب مملوءاً حكمة وعلماً، فأتوا إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، فأضجعوه على ظهره وشقوا صدره الكريم.
ولذلك يقول بعض المفسرين في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] أي: يوم شققنا صدرك، ثم وسعناه فكان واسعاً حكيماً حليماً رحيماً، فلما شقا صدره، أخذا العلقة السوداء- وما منا إلا وفيه علقة سوداء، يجتمع فيها الحسد والحقد والخيانة والغل فقطعوها، وأخرجوها، ثم غسلوا قلبه بماء زمزم، ثم ملئوا -بإذن الله- قلبه حكمةً وإيماناً، ثم ردوا صدره وخاطوه؛ حتى يقول أنس كنت أرى أثر الشق والرسول عليه الصلاة والسلام في الستين من عمره.
ثم أقاموه، وأتى وهو خائف إلى أمه من الرضاعة حليمة، وأخبرها الخبر، فردته إلى مكة.
وعاد -وهو صبي- يتدرج في الكرامة والعزة والرفعة، ما سجد لصنم، ولا شرب خمراً، ولا خان، ولا سرق، ولا كذب، ولا غش، وفي صحيح مسلم: {كان يمرُّ في وديان مكة، فيراه الحجر فيقول الحجر: السلام عليك يا رسول الله! ويراه الشجر فيقول الشجر: السلام عليك يا رسول الله} قبل النبوة، يسلم عليه الشجر والحجر،.
وينشأ صلى الله عليه وسلم يتيماً، صبوراً فقيراً محتسباً، لم يقرأ ولم يكتب، ويبلغ الخامسة والعشرين من عمره، فيكون مضرب المثل في مكة حياءً وأمانة ووقاراً وعفافاً، ولكن بعد أن نبئ خونوه، وقالوا: ساحر، وقالوا: شاعر، وقالوا: كاهن، ورموه في عرضه، والله يقول: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22] ما باله بالأمس أمين صادق وفي مخلص،
سافر في الخامسة والعشرين من عمره، فنزل في بصرى في الشام فجاءت غمامة تظلله من الشمس وهو مع النوق والإبل، وهناك شجرة، بجانب صومعة بحيرى، يقول عنها أهل العلم من أهل الكتاب: لا يجلس تحتها إلا نبي، فترك الشجر كله وجلس تحتها، حكمة بالغة، وقدرة نافذة.
اختصام قريش في الحجر الأسود
اختصمت قريش في وضع الحجر، وكانت قد هدمت الكعبة قبل الرسالة، واختصمت في من يضع الحجر؟ ومن يحمل الحجر؟ وكانوا أربع قبائل، كل قبيلة تقول: هي التي تضع الحجر، وأتى بنو هاشم، فملئوا صحفة دماً، ثم وضعوا أيديهم وتعاهدوا وتعاقدوا ألا يضع الحجر إلا هم أو يقتلوا عن بكرة أبيهم، ثم اصطلحوا على أن أول من يدخل الحرم هو الذي يحكم في القضية، ودخل البشير النذير، ودخل النبي المعصوم، قبل أن يوحى إليه، ووقف عليهم فأخبروه، فأخذ الحجر ووضعه في كساء، وقال: لتحمل كل قبيلة طرفاً من الكساء، فلما قربوه من موضعه وضعه هو بيده الشريفة، فهو الذي وضع الحجر الأسود مكانه الآن.
بعثته صلى الله عليه وسلم
واستمر به الحال عليه الصلاة والسلام فلما بلغ الثلاثين أنكر وضع الدنيا، فإن العالم يعيش على خطأ، وأخذ يبحث عن الصواب، وسوف يأتي به جبريل من رب الأرباب.
كان يخرج من مكة إلى غار حراء يتعبد، فكان يتحنث ويتوجه بقلبه إلى الله، يعرف أن للكون إلهاً خالقاً رازقاً وأنه يستحق العبادة، ولكن ما عنده مصحف يقرأ فيه، ولا يعرف الصلاة، قال تعالى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] ويقول الله فيه: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] ومكث فيالغار، يظل الأربع الليالي والخمس يتعبد، ثم ينزل إلى خديجة فيمتار ميرةً ويعود، وفي أثناء ذلك، أتاه جبريل وله ستمائة جناح، كل جناح قد سد ما بين المشرف والمغرب، فدخل عليه وقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ.
قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فأخذه فألصقه على صدره ثم غطه، قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [العلق:1-3] فانطلق يقرأ، ثم أطلقه، فذهب ونزل من الغار، وأخذ ينظر في السماء، كلما نظر في ناحية من السماء، إذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض، ووصل إلى خديجة، إلى الحكيمة العاقلة، إلى الزوجة العاقلة البديعة الرائعة قال: زملوني! زملوني! لقد خشيت على نفسي.
ثم أخبرها الخبر، فنطقت الصدق، وكلمات الواقع، وكلمات العدل والحق وقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، لماذا؟ ألمنصبه؟ ألأسرته؟ ألماله؟ ألشهرته؟ لا، قالت: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله لا يخزي أهل المعروف.
وانطلق عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الله، انطلق عليه الصلاة والسلام يخرج الأمة من الظلمات إلى النور، حتى أصبح أتباعه اليوم -في الجملة- ملياراً ودينه اليوم يعلو وينتصر.
الشيوعية كان لها مليار، فانسحقت قبل سنوات، ولعنت على ألسنة البشر، لماذا؟ لأن الحق هو الذي ينتصر والباطل ينمحق، قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] لقد قال: عليه الصلاة والسلام: {لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله} ونحن لا نطريه، وإنما نقول: هو عبد الله رسوله، ولكن من واجب الأمة علينا أن نلفت أنظارها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، لماذا؟
لأن الأمم والشعوب لم تلفت أنظار الناس إليه، فكان من مسئولية العلماء والدعاة أن يذكروه على المنابر، وأن يشيروا إلى شيء من عظمته ورسالته؛ لأن البشر -في العموم- استبدلوا بعظمته عظمة أناس لا يساوون الغبار الذي على قدميه، ولا جلد حذائه الذي كان يمشي به عليه الصلاة والسلام.
ويبقى رسول الله عليه الصلاة والسلام إماماً، لكن ليس إلا لمن أراد أن يكون إمامه صلى الله عليه وسلم، فيكون إماماً لأهل الصلوات الخمس، وللصادقين، والمخلصين، وإماماً لأولياء الله، أما الأشقياء فلهم أئمة، وأما الأدعياء فلهم قادة، وأما الحقراء الصغراء، فلهم زعماء: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71] وإمام الأخيار محمد عليه الصلاة والسلام، يقول أحد الصالحين وقد ذكر إمامته:
وكان ابن تيمية يزيد ويقول:
فنسأل الله أن يثبتنا على منهجه، وأن يجعلنا من أتباعه، وأن يسقينا من حوضه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يغمرنا في زمرته، وأن يهدينا سنته، وأن يوقظنا من غفلتنا باتباعه عليه الصلاة والسلام.
وبعد :الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أحيا به الله القلوب، وأنار به العقول، وأسمع به الآذان، وبصر به العيون، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
تعلق الأمم برموزها
الأمم اليوم تتعلق برموزها، فتنصب لهم صوراً تذكارية، وتطوف بهم وتقدسهم، وتردد الثناء عليهم صباح مساء، ونحن لا رموز لنا، لا قداسة أرضية، ولا طقوس، وليس عندنا إلا رجل واحد جعله الله إماماً لنا، ولكنه معصوم، وقدوة لنا لكنه صادق، ومعلماً لنا لكنه فاتح، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
أمي لا يقرأ ولا يكتب، ما حمل قلماً ولا كتاباً ولا دفتراً، لكن أفاض الله الوحي على قلبه، فحفظ القرآن كله، والسنة كلها.
وعند الناس رموز؛ لكنهم سفكة للدماء، وطغاة في الأموال، ومعتدون على الأعراض، وعندنا رجل لكنه يحمل العفاف والطهر والنزاهة والعدل والحق.
تجلى مولد الهادي وعمت بشائره البوادي والقضايا
وأهدت للبرية بنت وهب يداً بيضاء طوقت الرقابا
لقد ولدته وهاجاً منيراً كما تلد السماوات الشهابا
مولده صلى الله عليه وسلم ونشأته
تقول آمنة: حملته فما أحسست بالحمل، ولما ولدته ولدته ساجداً على الأرض، ومن أول لحظة وهو يسجد لله الواحد الأحد، وقبل أن تلده بليلة رأت كأن نوراً خرج منها فأضاءت له قصور الشام، وقبل أن تلده مات أبوه فنشأ يتيماً، واستمرت معه فترةً ثم ماتت، فبقي اليتيم عليه الصلاة والسلام في اليتم والفقر والظمأ والجوع؛ ليتعلق بالله، وذهبت به حليمة السعدية إلى بادية بني سعد، قالت حليمة: كنا في فقر مدقع، وفي سنة مجدبة والله ما أمطرت علينا ذاك العام قطرة، ولا نبتت في مراوحنا نبتة، فما وصل عليه الصلاة والسلام وهو طفل إلى ديار بني سعد، إلا وغمامة ملأت السماء فأمطرت حتى سالت الأودية، وامتلأت الأودية عشباً أخضر، وحلبوا حتى ملئوا الآنية، وكانوا في رغد من العيش.
وإن الكريم إذا أقام ببلدة سال النضار بها وقام الماء
تقول حليمة وقد أسلمت رضي الله عنها: كان إذا أظلم الليل، خرج صلى الله عليه وسلم من الخيمة وهو طفل عمره سنتان، ينظر ويتفكر في النجوم، لا إله إلا الله! طفل عمره سنتان يتفكر في النجوم والسماء في الليل، سبحان من علمه! وسبحان من أحكم إرادته! وسبحان من أنبته نباتاً حسناً!
ترده إلى الخيمة، فيخرج وسط الليل لينظر في السماء، من خلق السماء؟ ومن خلق النجوم؟ ومن أبدع الكون؟
حادثة شق الصدر
تقول حليمة: وخرج مرة من المرات مع أخيه من الرضاعة يرعى البهم.
وراعي البهم هذا سوف يرعى الأمم، في ثلاثة أرباع الدنيا، هذا الراعي دخل قواده فصلوا وسبحوا في قرطبةوالبرتغال والسند والهند، هذا الراعي أخرج الأمة الضعيفة المسلوبة المظلومة من الجزيرة، فصلت في ضفاف دجلة والفرات، وأذنت في صنعاء وكابل.
قالت: فلما خرج يرعى البهم أتاه رجلان، فبطحاه أرضاً وشقا صدره، وأخذا علقة من قلبه!
من هم الرجلان؟
أرسل الله ملكين اثنين، فأخذا طستاً من ذهب مملوءاً حكمة وعلماً، فأتوا إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام، فأضجعوه على ظهره وشقوا صدره الكريم.
ولذلك يقول بعض المفسرين في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1] أي: يوم شققنا صدرك، ثم وسعناه فكان واسعاً حكيماً حليماً رحيماً، فلما شقا صدره، أخذا العلقة السوداء- وما منا إلا وفيه علقة سوداء، يجتمع فيها الحسد والحقد والخيانة والغل فقطعوها، وأخرجوها، ثم غسلوا قلبه بماء زمزم، ثم ملئوا -بإذن الله- قلبه حكمةً وإيماناً، ثم ردوا صدره وخاطوه؛ حتى يقول أنس كنت أرى أثر الشق والرسول عليه الصلاة والسلام في الستين من عمره.
ثم أقاموه، وأتى وهو خائف إلى أمه من الرضاعة حليمة، وأخبرها الخبر، فردته إلى مكة.
وعاد -وهو صبي- يتدرج في الكرامة والعزة والرفعة، ما سجد لصنم، ولا شرب خمراً، ولا خان، ولا سرق، ولا كذب، ولا غش، وفي صحيح مسلم: {كان يمرُّ في وديان مكة، فيراه الحجر فيقول الحجر: السلام عليك يا رسول الله! ويراه الشجر فيقول الشجر: السلام عليك يا رسول الله} قبل النبوة، يسلم عليه الشجر والحجر،.
وينشأ صلى الله عليه وسلم يتيماً، صبوراً فقيراً محتسباً، لم يقرأ ولم يكتب، ويبلغ الخامسة والعشرين من عمره، فيكون مضرب المثل في مكة حياءً وأمانة ووقاراً وعفافاً، ولكن بعد أن نبئ خونوه، وقالوا: ساحر، وقالوا: شاعر، وقالوا: كاهن، ورموه في عرضه، والله يقول: وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [التكوير:22] ما باله بالأمس أمين صادق وفي مخلص،
سافر في الخامسة والعشرين من عمره، فنزل في بصرى في الشام فجاءت غمامة تظلله من الشمس وهو مع النوق والإبل، وهناك شجرة، بجانب صومعة بحيرى، يقول عنها أهل العلم من أهل الكتاب: لا يجلس تحتها إلا نبي، فترك الشجر كله وجلس تحتها، حكمة بالغة، وقدرة نافذة.
اختصام قريش في الحجر الأسود
اختصمت قريش في وضع الحجر، وكانت قد هدمت الكعبة قبل الرسالة، واختصمت في من يضع الحجر؟ ومن يحمل الحجر؟ وكانوا أربع قبائل، كل قبيلة تقول: هي التي تضع الحجر، وأتى بنو هاشم، فملئوا صحفة دماً، ثم وضعوا أيديهم وتعاهدوا وتعاقدوا ألا يضع الحجر إلا هم أو يقتلوا عن بكرة أبيهم، ثم اصطلحوا على أن أول من يدخل الحرم هو الذي يحكم في القضية، ودخل البشير النذير، ودخل النبي المعصوم، قبل أن يوحى إليه، ووقف عليهم فأخبروه، فأخذ الحجر ووضعه في كساء، وقال: لتحمل كل قبيلة طرفاً من الكساء، فلما قربوه من موضعه وضعه هو بيده الشريفة، فهو الذي وضع الحجر الأسود مكانه الآن.
بعثته صلى الله عليه وسلم
واستمر به الحال عليه الصلاة والسلام فلما بلغ الثلاثين أنكر وضع الدنيا، فإن العالم يعيش على خطأ، وأخذ يبحث عن الصواب، وسوف يأتي به جبريل من رب الأرباب.
كان يخرج من مكة إلى غار حراء يتعبد، فكان يتحنث ويتوجه بقلبه إلى الله، يعرف أن للكون إلهاً خالقاً رازقاً وأنه يستحق العبادة، ولكن ما عنده مصحف يقرأ فيه، ولا يعرف الصلاة، قال تعالى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] ويقول الله فيه: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] ومكث فيالغار، يظل الأربع الليالي والخمس يتعبد، ثم ينزل إلى خديجة فيمتار ميرةً ويعود، وفي أثناء ذلك، أتاه جبريل وله ستمائة جناح، كل جناح قد سد ما بين المشرف والمغرب، فدخل عليه وقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ.
قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فأخذه فألصقه على صدره ثم غطه، قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [العلق:1-3] فانطلق يقرأ، ثم أطلقه، فذهب ونزل من الغار، وأخذ ينظر في السماء، كلما نظر في ناحية من السماء، إذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض، ووصل إلى خديجة، إلى الحكيمة العاقلة، إلى الزوجة العاقلة البديعة الرائعة قال: زملوني! زملوني! لقد خشيت على نفسي.
ثم أخبرها الخبر، فنطقت الصدق، وكلمات الواقع، وكلمات العدل والحق وقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً، لماذا؟ ألمنصبه؟ ألأسرته؟ ألماله؟ ألشهرته؟ لا، قالت: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله لا يخزي أهل المعروف.
وانطلق عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الله، انطلق عليه الصلاة والسلام يخرج الأمة من الظلمات إلى النور، حتى أصبح أتباعه اليوم -في الجملة- ملياراً ودينه اليوم يعلو وينتصر.
الشيوعية كان لها مليار، فانسحقت قبل سنوات، ولعنت على ألسنة البشر، لماذا؟ لأن الحق هو الذي ينتصر والباطل ينمحق، قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] لقد قال: عليه الصلاة والسلام: {لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله} ونحن لا نطريه، وإنما نقول: هو عبد الله رسوله، ولكن من واجب الأمة علينا أن نلفت أنظارها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، لماذا؟
لأن الأمم والشعوب لم تلفت أنظار الناس إليه، فكان من مسئولية العلماء والدعاة أن يذكروه على المنابر، وأن يشيروا إلى شيء من عظمته ورسالته؛ لأن البشر -في العموم- استبدلوا بعظمته عظمة أناس لا يساوون الغبار الذي على قدميه، ولا جلد حذائه الذي كان يمشي به عليه الصلاة والسلام.
ويبقى رسول الله عليه الصلاة والسلام إماماً، لكن ليس إلا لمن أراد أن يكون إمامه صلى الله عليه وسلم، فيكون إماماً لأهل الصلوات الخمس، وللصادقين، والمخلصين، وإماماً لأولياء الله، أما الأشقياء فلهم أئمة، وأما الأدعياء فلهم قادة، وأما الحقراء الصغراء، فلهم زعماء: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71] وإمام الأخيار محمد عليه الصلاة والسلام، يقول أحد الصالحين وقد ذكر إمامته:
وكان ابن تيمية يزيد ويقول:
فنسأل الله أن يثبتنا على منهجه، وأن يجعلنا من أتباعه، وأن يسقينا من حوضه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يغمرنا في زمرته، وأن يهدينا سنته، وأن يوقظنا من غفلتنا باتباعه عليه الصلاة والسلام.