مقدمة:
يعد التصوف مبحثا من أهم المباحث التي يستند إليها الفكر الإسلامي،حيث يرتكز التصوف الإسلامي على ثلاث مكونات أساسية وهي: الكتابة الصوفية والممارسة الروحية والإصلاح الصوفي(1).وتحتل الطرق الصوفية أهمية كبرى في الحياة الفكرية،ومن القضايا الشائكة والمعقدة في تاريخنا الثقافي والديني(2)،ويقول المستشرق الفرنسي إريك جيوفروي(ErickJiofruit)"أن المستقبل في العالم الإسلامي سيكون حتما للتيار الصوفي،ويرى أن الصوفية قدمارسوا السياسة في أحيان كثيرة،كما مارسوا أدوارا ثقافية واجتماعية"(3).
وعلى الرغم من طول مدة مقاومة الشيخ بوعمامة،واتساع مجالها المكاني فإن بوعلام بسايح أشار إلى أنه:"لايوجد عن حياة أبي عمامة من صدى في الجانب الجزائري،إلا ما يتداوله الناس من أخبار شفوية عنه،وانعدام أي أثر تاريخي مكتوب ميلا إلى التستر ونزوعا إلى التكتم وبالمقابل توجد في وثائق الولاية العامة الفرنسية وفي تقارير الضباط الفرنسيين من التفاصيل التاريخية عن أبي عمامة ولكنها عمدت تشويه شخصيته"(4).
وإذا كانت تقارير الإدارة الفرنسية في معظمها ركزت على الجانب العسكري للمقاومة وشوهت حقائقها التي كانت تصل إلى الوزارة الحربية الفرنسية،فإن بعض المؤرخين والباحثين الجزائريين على وجه الخصوص ركزوا في كتاباتهم على جوانبها السياسية والعسكرية إلا أنهم أغفلوا عن دور طريقته الصوفية العمامية أو الايمانية.
وقبل التطرق إلى دور الطريقة العمامية أو الإيمانية في المقاومة الشعبية المسلحة،يفرض علينا البحث أن نعرف التصوف لغة واصطلاحا،ثم نبرز الظروف الاجتماعية والثقافية،التي جعلت بوعمامة يتقلد منصب المشيخية بين قبيلته وقبائل منطقته.
وما أحدثته طريقته العمامية من تغير اجتماعي والذي تجلى في الحد من فكرة الولاء القبلي،والنزاع بين القبائل على أتفه الأسباب وفي الوقت نفسه عملت طريقته على تحقيق الانسجام بين قبائل منطقة الجنوب الغربي الجزائري وعلى توحيدها وتجنيدها لمقاومة الاستعمار الفرنسي بدل التناحر فيما بينها والانتقال بهذه القبائل من النزعة القبلية إلى النزعة الوطنية، من فكرة حماية القبيلة إلى حماية الوطن والدفاع عنه.
1-مفهوم التصوف:
لقد تعددت تعاريف التصوف بسبب انتشار المتصوفة الذين اهتموا به كعلم من خلال دراساتهم وذلك منذ كتب السراج الطوسي القشيري وعبدالقادر الجيلاني،ثم جاء المستشرقون مثل ماسنيون وتولدكه ونيكلسون، ومن المفكرين المعاصرين نجد عبد الرحمان بدوي وأسعد السحراني
1-1-التصوف لغة:
تشتق كلمة التصوف من فعل صوف حعله صوفيا،وتصوف صار صوفيا،أي تخلق بأخلاق الصوفية والصوفية فئة من المتعبدين واحدهم الصوفي(5).ومصطلح صوفي يشير إلى مجموعة من النساك والروحانيين الذين اشتغلوا بالتصوف.
والتصوف باعتباره شاهدا للدين الصوفي في الإسلام هو ظاهرة لاتقدر،فهو أولا وقبل كل شيء إثراء لرسالة النبي الروحانية وجهد مستمر لعيش أنماط الوحي القراني عيشا شخصيا عن طريق الاستبطان(6).
ولقد جاء تعريف التصوف في قاموس الحضارة العربية الإسلامية(Dictionnaire de civilisation musulmane)أن التصوف أو(le Soufisme) بالفرنسية،فأصل الكلمة بالعربية مشتقة من الصوف(7).
1-2-اصطلاحا:
التصوف هو حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي بعد الفتوحات،نشأت كردة فعل مضاد لانغماس بعض الناس في الترف وضروب الملاذ،قوامها إخضاع النفس لأنواع من الرياضات الروحية طمعا في الوصول إلى المعرفة الحقيقية المطلقة،معرفة الله بالكشف والمشاهدة( التصوف هو رحلة روحانية تعتمد على الخلوة والتجلي الرباني،أواللقاء العرفاني المتوج بالوصال والكشف الإلهي،ويعني هذا أن المريد السالك لكي يحقق مراده ألا وهو الوصول إلى الحضرة الربانية،عليه أن يتجرد من أوساخ الدنيا،ويتوب إلى الله،وأن يتطهر من كل أدران الجسد ويبتعد عن ملذات الدنيا،ويترك جانبا شهوات الحياة ومتعها الزائفة الواهمة.وقام إبراهيم البسيوني بتصنيف مجموعة من التعاريف حول التصوف حيث قسمها إلى ثلاثة أقسام:
1-2-1القسم الأول: تعاريف تتحدث عن البداية:التصوف كراهية الدنيا ومحبة المولى عزوجل.
1-2-2القسم الثاني: يتحدث عن المجاهدات:التصوف خلق،فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الصفاء،التصوف أن لاتملك شيئا وأن لايملكك شيء،التصوف هو قلة الطعام والسكون والفقراء من الناس،
1-2-3القسم الثالث: فيتحدث عن المذاقات:التصوف أن تكون مع الله بلا علاقة هو استرسال النفس مع الله على مايربد وتوصل في الأخير إلى أن التصوف تيقظ فطري يوجه النفس الصادقة إلى أن تجاهد حتى تحظى بمذاقات الوصول،فالاتصال بوجود المطلق(9).
أما محمد عابد الجابري فقد أرجع أصول التصوف إلى الهرمسية بطلمساتها وعلومها السحرية والسرية(10)،وفي نقده للعقل العربي ترى فلسفة ابن سينا قتلة العقل في الوعي العربي،أما عن ابن عربي لم يرفي كل ماأبعده سوى نتاج يمثل اللامعقول،الوافد على الإسلام والثقافات والديانات السابقة(11).
-التصوف هو طريقة ونهج في السلوك العبادي،عماده الزهد والتوبة،وقد سبقت التصوف حركة زهد نبعت من جوهر الإسلام قرانا وسنة،ولكن المجرى التاريخي للطرق الصوفية عرف مؤثرات دخيلة فيما بعد وردته من مصادر شتى من المسيحية والزرادشتية واليهودية ومن الفرس والهند واليونان،لذلك توزع الصوفيون على مذاهب ومدارس،عرفت بإسم الطرق الصوفية(12).ويفرق"محمد أركون" بين الصوفية والتصوف.
فعرف الصوفية"بأنها تيار فكري يتمتع بأسلوب حياة دينية يستخدم الشعائر والاحتفالات الفردية والجماعية،من أجل أن يجعل الجسد والروح يتواكبان ويساهمان في عملية تجسيد الحقائق الدينية، فالتجربة الصوفية موجودة في كل الأديان وليست بالتالي حكرا على الإسلام وحده"(13).
أما التصوف"في مقصده النهائي والأعمق يمثل أولا التجربة المعاشة نتيجة اللقاء الحميمي والتوحيدي بين المؤمن والإله الشخصي؛أي اللانهائي والمطلق المرتبط بالألوهية بالنسبية لمجمل الأديان، وهذه التجربة محللة وموضحة،بواسطة محاسبة الضمير،وعودة الصوفي على ذاته والتجربة التي تحظى بالتأمل على هذا النحو لكلمة تأمل،ثم توضع كتابة تغذي المريد الذي ينخرط في السلوك الصوفي تحت إمرة شيخ ما"(14)
2-مفهوم الطرق الصوفية:
هي شكل من أشكال التنظيم الديني السياسي والثقافي،يغلب عليها طابع الغموض والسرية وتتصف في علاقاتها بالسلطة بالاضطراب،والتمرد في كثير من الأحيان والمساندة والمؤازرة في بعض الأحيان الأخرى(15)
3-نشأة الشيخ بوعمامة الاجتماعية والدينية:
نشأ بوعمامة(15) في أسرة بدوية محافظة،كانت تتميز بالعلم والتصوف،بدأ يحفظ القران بالكتاتيب بالحمام الفوقاني(فقيق)،عرفت عائلته بتقواها الديني،وحرصها الشديد على تطبيق شعائر الإسلام فهومن أحفاد الفقيه المتصوف عبدالقادر بن محمد المعروف في الجنوب الغربي الجزائري بلقب سيدي الشيخ.
ويلاحظ أن الشيخ بوعمامة عاش في وسط أسرة كلها تتميز بالتصوف،ولا شك أن مثل هذا الوسط الاجتماعي قد أثر بشكل أو بآخر في شخصيته،مما جعله يسلك نفس المسلك الذي اتبعه أجداده وهو طريق الزهد والتصوف،ومع ذلك عاش المرحلة الأولى من حياته في بيئة جغرافية وطبيعية حتمت على سكانها الخضوع لنزواتها.
فاحترف الرعي وفق الطرق التقليدية والزراعة المعاشية بوسائل بسيطة،وتجارة القوافل في ظروف جد صعبة،والتي عرضت العديد من الذين مارسوها للإغارة والسلب وذلك كبقية شباب المنطقة،وكانت تجارة القوافل تشكل همزة وصل بين الصحراء والتل الوهراني،والتي سمحت له بتوطيد علاقات مع أهل التل والصحراء،ويطلع على أحوالهم،ويكتسب تجربة وخبرة من خلال نشاطه التجاري(16).
ترعرع بوعمامة في مجتمع سادت فيه الاضطرابات والفتن والنزعات القبلية، وحب الزعامة والتسلط دون انتشار الوعي الثقافي،مما عرقل الأنشطة الاقتصادية،وجمد النشاط العقلي والثقافي عامة تربى بوعمامة في رعاية والده السي العربي بن الحرمة الذي كان يحترف الرعي والتجارة والذي قرر مع نفسه(17).
أن يجعل ابنه ملازما لعمه سي المنور الذي تلقى على يده تعليمه الأول وعلى يد الشيخ محمد بن عبدالرحمان أحد مقدمي الطريقة الشيخية والشيخ الشريف مصطفى بن محمد بن عبدالله والطيب بن يعقوب هؤلاء الذين زرعوا فيه النيات الطيبة من علوم الفقه والشريعة وحسن الخلق(18)، فحفظ سورا عديدة من القرآن،إلا أنه لم يتمكن من إتمام الستين حزبا(19)، وبعض الأحاديث النبوية الشريفة والشعائر الدينية الأساسية،والأوراد والأذكار الخاصة بالطريقة الشيخية،ثم المبادىء العامة للتصوف والزهد في الحياة،مما أهله لتولي منصب مقدم(20).لم يتعمق الشيخ بوعمامة في العلوم الدينية والصوفية مثل جده سيدي سليمان وسيدي الشيخ والسبب في ذلك هو أن التعليم في منطقته كان رتيبا سطحيا،يعتمد على حفظ القران دون تدبر وتفهم آياته،يقوم به محفظون مشارطين كانوا في الغالب يفيدون من تافيلات وكرزاز وقورارة،وإذا كانت هذه الدراسة بسيطة وفق مفهوم العصر الحالي فإنها اعتبرت حسب مفاهيم عصره ومحيطه الاجتماعي ثقافة ومعرفة عالية ميزته عن غيره بكل الخاصيات،فنال الإعجاب والتقدير.
وكان في نظر الأغلبية من المحيطين به عالما بدون مبالغة أو إطراء(21)في حين ذكر أحد الباحثين أن أبي عمامة حفظ القران الكريم والعلوم الدينية في وقت مبكر على يد مشايخ أمثال الشيخ بحوص والطيب بن يعقوب،والشيخ الشريف محمد بن عبدالله، والشيخ مصطفى ابن محمد(22).
بينما ذكرت تقارير الضباط الفرنسيين أن أبي عمامة حفظ القران الكريم إلى جانب ممارسات أخرى هي مزيج من الخرافة والغرابة والغموض خاصة برجال الزوايا التي يحيطونها بالكتمان لما لها من تأثير على العقول وسلطان النفوس،وبالنظر إلى أنها مقياس والتفوق ومفتاح الاستلهام،وأداة اختراق(23).
فالعصر الذي عاش فيه بوعمامة لم يكن يزخر بحواضر متميزة بالعلم والعلماء في هذه المنطقة من الجزائر،فذهب بعض الباحثين أن أبي عمامة زار قبل استقراره في مغرارالتحتاني تلمسان وفاس وعدة مناطق في الجنوب الوهراني طلبا للعلم(24).
بينما ذهب البعض الآخر أن أبي عمامة هاجر إلى المغرب الأقصى ليتابع تعليمه بجامع القرويين وأنه كرس حياته في طلب العلم،والبحث في الأمور الفقهية المختلفة،ولكن إطلاعه الواسع قد يدل على أنه وصل المغرب بطريقة أو بأخرى،زادت من معارفه،وعمقت في فلسفته وفكره.وربما قد نهل بوعمامة من المصادر المهمة التي وقعت بين يديه،
فأخذ ماكان يجب أن يأخذ فثقف وتفقه،واطلع على كثير من المعارف التي كان يرغب في الاطلاع عليها(25).والراجح أنه لم يتمكن من بلوغ هدفه،ولم تكن ثقافته واسعة،ولم يحفظ من القران الكريم إلا بعضه،ويستنج ذلك من خلال خطابه الديني والسياسي الموجه إلى فئات المجتمع الذي كان يعيشه،حيث كان يلقيه بلغة الدارجة المحلية الخاصة بالمنطقة في كثير من الأحيان وكان يستشهد من حين لآخر بالآيات القرآنية،وبعض الأحاديث النبوية الشريفة،وكذلك من خلال كلمات وأسلوب رسائله التي كان يبعث بها إلى السلطات الاستعمارية الفرنسية كانت تكتب بألفاظ الدارجة المحلية تتخللها بعض الكلمات باللغة العربية الفصحى.أوربما كان بوعمامة يتعمد توظيف اللغة الدارجة لكي تتفهمه مختلف شرائح المجتمع التي كانت غالبيتها أمية وبالتالي يمكن أن يبلغ خطابه بأسلوب سهل تدركه وتفهم مقاصده جميع الفئات.
تزوج بوعمامة بربيعة ابنة عمه السي المنور،والتي أنجبت له السي الطيب في سنة1870م.بحيث كان له رفيقا في بقية حياته وفي معاركه،وبعد إعلان مقاومته تزوج الشيخ بوعمامة عدة مرات وفي فترات متباعدة حسب الظروف والأحوال من قبائل مختلفة كالشعانبة متليلي،ومن أولاد سيدي أمحمد عبد الله،والرحامنة نسبة إلى عبدالرحمان أحد أبناء سيد الشيخ،ومن قبائل مغرار،ولاشك أنه كان يهدف من وراء ذلك إلى تمتين الروابط مع العديد من القبائل بالمصاهرة لجمع الكلمة وتوحيد الصفوف(26).
اقتداء بسنة الرسول (صلع)،وما أصعب بلوغ هذا الهدف في مجتمع مزقته النزعات والخلافات والأهواء في الوقت الذي تكالب فيه الاستعمار على البلاد.
3-مميزات شخصية بوعمامة:
ذهب بعض الباحثين أن بوعمامة عرف بالورع والحكمة وسداد الرأي ونفاذ البصيرة وحسن التدبير تألقا بجديه القطبين الصالحين سيدي الشيخ وسليمان بوسماحة.
وكان يتميز بشرف نسبه وسمعته الطيبة،ونبل خلقه وسيرته الورعة ولطف تعامله مع الجميع وبالتقوى والصلاح والزهد والتقشف والتنسك،وقيل أن منذ صباه حبب له التصوف والزهد والخلاء(27).وكان بوعمامة على خلاف بقية أفراد عائلته يتميز بالوعي السياسي والتفكير والاهتمام بمصير وطنه(28).
فتمتع بسمعة طيبة وصيت رائع ومكانة مرموقة(29)،وفي صحيفة البرهان المصرية الصادرة بالإسكندرية كتبت عن الشيخ بوعمامة تقول"هو زعيم الثائرين صيته في الافاق،وانتشر له ذكر جميل،وهو رجل من أهل الدين والصلاح،معتقد عند أصحابه وفي جميع الجهات التابعة للصحراء،وهو فيما يقولون من ذوي الإلهام الإلهي"(30).
فرغم ثقافته المتواضعة،ودرجات التفقه غير العميق مقارنة بمشائخ الطرق العريقة كالأمير عبدالقادرعلى سبيل المثال لا على سبيل الحصر؛إلا أنه استطاع مجاراة أحداث زمانه نتيجة دهائه السياسي، وخبرته بالمنطقة،وكان صاحب خبرة ومجالسة ومعارف شفوية مهمة التي عرفها بها كبار القادة وعظماء الرجال،وكان يراسل شيوخ القبائل ويشاورهم في الأمر وكانوا يسدونه النصيحة فيما يقدم عليه من أعمال.
موضوع: تابع.....
________________________________________
-الطريقة العمامية أو الإيمانية مصادرها وانتشارها ومميزاتها:
4-1-مصادرها:
ذكر أحد الباحثين أن طريقة بوعمامة الصوفية كانت هي طريقة أجداده أولاد سيدي الشيخ، التي كانت تستمد طقوسها من الطريقة الطيبية(31)ذات الانتشار الواسع بالمغرب الأقصى والغرب الوهراني، وقد ادعى الضابط الفرنسي دوفرييه(De Free )بأن طريقة بوعمامة الصوفية هي الطريقة السنوسية(32)التي هي طريقة عائلة الكونتي في تمبوكتو وكل غرب إفريقية تلك العائلة التي لها قرابة مع أولاد سيدي الشيخ.
اقتدى بوعمامة بسيرة وسلوك ونظام زاوية أجداده، ويظهر أن للسنوسيين تأثير كبير عليه(33).في حين ذكر أبو القاسم سعدالله "...أما نسب أولاد سيد الشيخ الروحي فهو قادري شاذلي،وقد كان سيد الشيخ تابعا لتلاميذ الشيخ أحمد بن يوسف الملياني،ولكن الذي أدخله إلى الطريقة هو محمد بن عبدالرحمان السهيلي القادري الشاذلي..."(34).
ويبدو أن أولاد سيدي الشيخ كانت لهم سلسلة صوفية يتوارثونها،وفيهم من دخل الطريقة الطيبية ولذلك قيل عنهم ليسوا طريقة صوفية مثل الطرق الأخرى،ولكنهم مزيج من أهل الدنيا والدين وأنهم استعملوا نفوذهم الروحي وأصلهم النبيل من أجل تكثير الأتباع واكتساب حظوظ الدنيا والتنافس على السلطة، وكان ذلك ظاهرا في عهد الاحتلال بالخصوص(35).وقيل أن أبي عمامة اختاراسما جديدا للطريقة الشيخية التي تعد فرعا من فروع الطريقة اليوسفية والشاذلية،حتى وإن بدل فيها بعض مايمكن أن يبدل من أمور طفيفة لاتمس بجوهر الطريقة الشيخية بل هذبها.
وماهو متعارف بين المتصوفة أن التلميذ لا يخالف طريقة أستاذه إلا ما ندر في بعض الحالات الشاذة، وأستاذه الشيخ بن عبدالرحمان كان شيخيا، فلايمكن للتلميذ أن يشذ عن القاعدة العامة إلا بإذن خاص،وجند بوعمامة كل الطرق الصوفية، ووحد بين الرحمانية والدرقاوية
4-2-انتشارها:
انتشرت طريقة بوعمامة الإيمانية في الجنوب الجزائري وفي الهضاب العليا الغربية الجزائرية وغرب الجزائر وشرق المغرب الأقصى،وكانت مفتوحة على كل المسلمين،وقد وصلت الإيمانية إلى تركيا والسودان وبلدان آسيا(36).
4-3-مميزاتها:
كانت الطريقة الإيمانية تدين النزاع والاختلاف الذي كان يقوم بين الطرق الصوفية،وكانت تستند في نصوصها ومبادئها على القران والسنة(37)،وكانت تتميز برفض مفهوم البركة الوراثية فنظرة الشيخ للبركة كانت مخالفة تماما لنظرة الطريقة الشيخية،ولكل فرد بركته حسب عمله وتقواه،وكان يرى أن البركة هي أمر شخصي يحصل عليها الفرد وتنتهي بوفاته ولا يمكن أن تنتقل هذه البركة إلى شخص آخر وليست وصية دائمة(38)وكانت تحارب البدع والخرافات والشعوذة والدروشة وكان مطلوبا من أتباعها ومريديها التعاون للجهاد معا ضد أعداء الإسلام.
5- موقف قبائل الجنوب الغربي الجزائري من الطريقة العمامية:
لقد زكت قبائل المنطقة الشيخ بوعمامة وطريقته الإيمانية الصوفية.واختارته دون سواه واعترفت له بالمشيخة،وسيدا جديدا للزاوية وشيخا روحيا لهذه الطريقة الصوفية المرتبطة به شخصيا والتي أطلق عليها إسما أصبحت الوفود ترتاح إليه،ومن البداية برز تفوقه وذكاءه الخارقين متوخيا تغييراسمها وهي الطريقة الإيمانية أوالعمامية،تفاديا للصراع الذي قد ينشب مع بني عمومته،والذي كان في غنى عنه.
والراجح أن الشيخ بوعمامة حاول أن يتحاشى الخوض في الصراع الذي لاينفع خاصة في تلك الظروف الصعبة التي كانت تتطلب توحيد الصفوف ونبذ التفرقة ولعله عامل نهائي في تمكين ولاء هذه القبائل المختلفة المجاورة لشيخ الطريقة ومقدمها.وكان من إشعاع الطريقة الصوفية أن تسارع الأتباع والمريدون إليها بأعداد كثيرة.
وقد أشار الضابط الفرنسي بيمودو(Pimodo)بقوله:"لهذا كان المسلمون ينظرون إلى الشيخ بوعمامة أنه القائد الكبير الذي قاتل ضد المسيح في الجزائر،والذي قاتل باسم الله ومحمد، ولم يقبل قوانينا ولم ينحن إلينا" وذهب أحد الباحثين بقوله":ويبدو من التقارير الفرنسية المتوفرة أن إقبال الناس على تأييد بوعمامة.
وتقديم عروض الولاء له لم يكن كله تلقائيا، وإنما وليد خطة مرسومة، ذلك أن أبي عمامة كان يدعو إلى الخروج عن السلطة الفرنسية"(39).
ومن مظاهر تأثير الطريقة العمامية على قبائل الجنوب الغربي الجزائري أنها أصبحت تعتز وتفتخر بالشيخ بوعمامة،وجعلت البعض من أفراد هاته القبائل يمدحونه بقصائد شعرية هامة ويردد الأهالي هذه الأشعار تشريفا وتكريما وتعبيرا عن محبتهم له،ومحاسن أعماله.
6-أثر الطريقة العمامية في المقاومة:
لقد ركز بوعمامة في بداياته على ربط الصلة الروحية بالقبائل، فجعلها تتعلق بمنهجيته في الطريقة الايمانية المستوحاة في جوهرها من الشيخية التي وسمها بطابعه الورع وحياته الجهادية ولعل العنصر الرئيسي في بصمات بوعمامة هي المرتكز الجهادي الثائر على الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها المنطقة،كالأحقاد والضغائن بين الناس والفرقة بين الأهل ومن خلال هذه الأوضاع استطاع بوعمامة أن يتفهم ذهنية المنطقة.
وتوصل إلى أن الوازع الديني وحده الكفيل،بتغيير ما يسود هنالك من ماسي،فصمم أن يستغل هذا الجانب ويركز عليه،ويجعله أداة يتوصل من خلالها إلى مبتغاه الأسمى ألا وهو السيطرة الكلية على الذهنيات،والعقول التابعة لسلطته إنها سلطة روحية مطلقة.
ويبدو أن الشيخ بوعمامة استطاع أن يجعل من هذه القبائل غير المستقرة على فكرة أو هدف وعندما استتب له أمر المشيخة، وأحكم قبضته على الزاوية، صار له أتباع ومريدين وتلامذة ومجاذيب شد عقولهم بما كان له من جاذبية.
فسعى إلى تغيير نزعة الدروشة والجذب الغالبين على معظم الأتباع، فالواقع الثقافي المزري الذي كان عليه آخر القرن التاسع عشر.والغارات المتتالية من طرف قطاع الطرق أو من طرف مخزن سلطان المغرب الأقصى،وسفهاء القبائل البعيدة كلها حرية بأن لا يبقى الإنسان مكتوف الأيدي أمامها، بل يجب الحد منها بتغيير ذهنية هذه الفئات التي كانت تقوم بنهب وسلب أموال الناس.
والانتقال بهذه القبائل من الصراعات المحلية إلى الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي، وتوظيف قدرتها العسكرية ضد قوات الاستعمار الفرنسي، وشحن هذه القبائل بالإيمان والجهاد في سبيل الله وعمل على تغيير العلاقات الاجتماعية بين هذه القبائل، بحيث استطاع بتأثيره الروحي أن ينمي الوعي السياسي الوطني بدل القبلي في مجتمعه.
وكان للطريقة الايمانية تأثير على سلوكات ومواقف القبائل التي اتبعت طريقته، وفي الوقت نفسه توصل بوعمامة بحنكته الدبلوماسية أن يوطد علاقات سياسية مع السلطة المغربية لوضع حد للتعسف الصادر عن المخزن.
كان أتباع الشيخ بوعمامة ومريدوه يتميزون بخاصية وهي أنهم جنود الحق ذلك حسبما جاء في الطريقة الايمانية لا يغزون أحدا، بل يدافعون في حالة الغزو، والأكثر من ذلك كله فإن الطريقة الايمانية كانت محفوظة في صدور المريدين والأتباع تكون حيث يكونون ولا يكونون إلا حيث يكون الحق، تلك هي قاعدة الشيخ بوعمامة الثابتة يحدعنها لحظةلا يظلم أحدا ولا يعتدي على قبيلته،
فالتصوف ومحبة طلب الحكمة والتعلق بالدين مجد مؤصل متوارث عبر القرون والأزمان.كان بوعمامة قد نذر نفسه للتأمل والنسك، ولكن دون أن يحصر تأمله ذلك في أبعاده الصوفية، بل كان تفكيره يشمل نظام الحياة وواقع المجتمع والبلاد، أي جوهر النظام السياسي للبلاد لينتهي في آخر المطاف إلى طرح مشكلة احتلال القوات الأجنبية للتراب الجزائري،
5-الظروف السياسية للمنطقة قبل المقاومة:
عرفت المنطقة التي عاش فيها أبوعمامة،والتي تربطها والمغرب الأقصى حدودا سياسية بانعدام النظام السياسي المركزي،وسلطة الدولة منذ زوال الدولة الزيانية،والهضاب العليا الغربية ومنطقة الأطلس الصحراوي تمر بفترة فتور سياسي، بحيث كانت محل صراع بين سلطة المغرب الأقصى والحكم العثماني في الجزائر،وبالتوتر وعدم الاستقرار خاصة في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وبانعدام الأمن وسيطرة سلطة القبائل كلية، وتفشي ظاهرة الإغارة والسلب والنهب بين القبائل، واعتداء مخزن السلطان المغربي الذي كان لا يتساهل مع هذه القبائل، فكان يمارس معها سياسة العصا الغليظة،خاصة عندما كانت قبائل هذه المنطقة وهم أولاد سيدي الشيخ،العمور حميان وأهل القصور ترفض دفع الضرائب.
وفي نفس الوقت كان المخزن يشكل خطرا جاثما يهدد الأمن، مما كان يجعل المنطقة كلها على حافة حرب.فكانت بؤرة توترات وحروب سواء تعلق الأمر بالغزو الفرنسي أو مخزن السلطان المغربي.ومن ثم بات واضحا أن زاوية مغرار التحتاني.
ويلاحظ أن الزاوية قد حسم الأمر في شيخها ومقدمها من البداية، وبهذه المكانة العلمية والفكرية التي تألقت في شخصية أبي عمامة جعلته يوظف فكرة الجهاد من شعائر الدين، بدأ بالتعبئة الدينية والنداء إلى الجهاد ضد الغزو الفرنسي الكافر.
7-موقف بوعمامة السياسي من الإستعمار الفرنسي:
راسل بوعمامة قادة المستعمر الفرنسي،واستقبل مبعوثي بعض القادة الفرنسيين وقد أجابهم مشافهة وعبر رسائل،وفي كل الحالات كان يلح على ترديد كلمته التاريخية المشهورة يجب أن تخرجوا من أرضنا،رافضا الصلح بكل صوره،بل أنه كان يراه خيانة، إلا أن إيمانه القوي وجاذبيته وكره للمستعمرين الكفار،ولد فيه الرغبة في الجهاد،فتحمل كل مسؤولياته كجميع الزعماء،وأعلن المقاومة الشعبية في الجنوب الوهراني ضد الوجود الفرنسي.
زار النقيب الفرنسي دي كاستري(De Castrie) الذي كان يحسن اللغة العربية ويتكلمها بطلاقة، وقدم عليه في قصر مغرار التحتاني على رأس فوج من القوم ليستطلع أخباره ويسبر نياته ومقاصده باسم السلطات الفرنسية،وعرض عليه مساعدة في شكل أطباء وأدوية وأغذية كان جواب أبوعمامة"قل لحكومتك أن هؤلاء السكان لايحتاجون شيئا،وأنهم يقنعون بقليل من التمر والماء، ولكنهم ينفرون من الظلم ويستفزهم العدوان" (40).
ولما بلغ هذا الطور من التأمل والتفكير، قرر أن ينظم نفسه ويعد العدة لمحاربة القوات الفرنسية، قبل أن يستفحل أمرها، وتحتل الجنوب الجزائري كله وكذلك تعلم الطريقة بما يؤهله لأن يكون مقدما شيخيا،اشتهربوعمامة لأنه أشرف على مقاومة كادت أن تعم الغرب الجزائري بأكمله، وأدرك بالبديهة الصائبة والرأي الراجح الدور الذي يجب أن تلعبه الزوايا في هذا الوقت بالذات، فاستطاع أن يمزج بين ماهو سياسي وعسكري، وماهو روحي
8-تأسيس الزاوية ودورها في المقاومة:
8-1 تعريف الزاوية لغويا:
الزاوية من زوي مصدر زوي الشيء،يزويه وزيا وزويا،فانزوى أي نحاه فتنحى،وزواه قبضه وزويت الشيء جمعته وقبضه،اشتقت عبارة الزاوية من فعل يحيل على الضدين،فيفيد أزال من جانب،وجمع من جانب ثاني.وأضاف صاحب اللسان الزاوية واحدة الزوايا،ومن المعاني المتصلة بفعل زوى معنى القرب،وقد ورد في حديث عمربن الخطاب كان له أرض فزوتها أرض أخرى،وهي معنى الإحاطة بالشيء،وفي المظهر المحسوس،فليست الزاوية في المعنى اللغوي بما في اللغة من حالات نفسية واجتماعية هروبا من الحياة واختيار التنسك،بل هي تأليف بين ضدين التنحي والقبض(41)
8-2اصطلاحا:
الزاوية هي عبارة عن مجموع مكون من مسجد ومدرسة أومعهد للتعليم الديني القرآني ومأوى للطلبة داخليين يعيشون في تلك الزاوية بدون مقابل،وقد يضاف إلى ذلك صريح مؤسسها وتسمى غالبا باسمه،ولها طريقة تنتمي إليها،وتمويلها يأتي من أتباعها ومما يتبرع به عليها المحسنين من أراضي زراعية أو بساتين وعقارات وغيرها أو من تبرعات مالية فردية أو جماعية(42)أسس بوعمامة زاوية بمغرار التحتاني الواقعة في أقصى الجنوب الوهراني سنة1876م زاوية قوية بعيدة النفوذ،تحملت مهمة القيام بعدة وظائف متكاملة فقد كانت كتابا لتحفيظ القران الكريم،ومدرسة لتعليم الطريقة وناديا لترديد الأذكار والأوراد،وملجأ لأبناء السبيل والمحتاجين والفقراء والمساكين،ومستوصفا لعلاج المرضى؛إلا أنها تحولت إلى خلية إعداد المقاومة والاستعداد للجهاد.
ولعل أبرز خاصية في تكوينها هي فكرة الولاء ولاء المريد للمقدم والمقدم للشيخ والشيخ للقطب والقطب للغوث والغوث للحق الله عز وعلا،والولاء يأخذ معنى الطاعة والطاعة أساس الملك وأصبح الأتباع يقدمون الهدايا والهبات لزاويته.
وانهالت الأرزاق عليها والأموال كذلك كان شأن زاويته الإيمانية،فقد مرت بعدة مراحل في حياته ولكنها لم تتغير،بل كانت تتطور،فبعد أن أسسها في مغرار التحتاني وجدد الحصون حولها وبناء جوانبها،ولكن سرعان ما نقلها إلى تيوت،ثم استقر بها الحال في خيمة متنقلة عبر التلول والفيافي،ثم تقيم حينا في دلدول قرب تميمون بالجنوب الجزائري.
9-موقف الإستعمار الفرنسي وأعوانه من الزاوية:
أثارت الزاوية شكوك المستعمرين وأعوانهم من القياد المحليين،خاصة بعد أن نشطت حركة الدعوة والدعاة والمبعوثين المنطلقين من الزاوية،أو العائدين إليها بالردود والأجوبة والأخبار ونتائج الاستطلاعات،وبالتالي أصبحت الزاوية ونشاطاتها محل مراقبة من قبل الاستعمار وأعوانه،ومن هنا بات من المحتم علي أتباعها أن تكون محمولة على الأكتاف فهي تارة في مغرار التحتاني وتارة في تيوت.
وأطوار أخرى بين هذه وتلك،إن زواية الشيخ بوعمامة فريدة ومتفردة، فهي متنقلة من مكان إلى آخر.ويفهم من الوثائق الفرنسية أن أبي عمامة اعتمد على أسلوب آخر لكسب ثقة مريديه وتقوية عزيمة مؤيديه، وترسيخ إيمان الجميع والمؤمنين بما كان يدعو إليه في النصر المؤكد، يقوم على تنفيذه لمشاهد خارقة، وتقديمه لعروض سحرية مدهشة للمشاهدين وباهرة للزوار،وإذا باعتقاد الكل في برهان الشيخ وبركاته وتؤيد بعض التقارير الفرنسية هذه النتيجة عند قولها":إن الزائرين لبوعمامة يرحون عقلاء ويغدون مجانين"(43)ولهذا جاءت فكرة الجهاد عند الأتباع جزء من تحقيق الولاء الصافي الصادق، وبذلك سهلت عملية الإقناع، وصارت مستساغة من طرف الجميع، وكان الانتقال إلى التطبيق الفعلي مستدرجة منطقيا، لا يختلف حولها أحد.إن العامل الموضوعي الرئيسي والذي يبدو مباشرا في إعلان الجهاد من طرف الشيخ بوعمامة هو الوازع العقائدي.
بل أن الجحافل المنضوية تحت راية جهاده،والتي تعد بالآلاف في بعض الفترات ما كان لها أن تكون لولا شدة اقتناعها بأنها تحارب قوات الكفر،وتحمل شعار الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق، خاصة وأن الجميع متأكد بأن الزعيم الروحي،ليس له من هدف يصيبه إلا الإيمان الراسخ، ثم إنه أثبت للملأ بأنه لا يسعى إلى تكوين زعامة سياسية منمذجة لما كانت عليه سلطانية المغرب مثلا التي كانت تجمع الضرائب على الفلاحين والموالين والتجار وإنما كان تركيز بوعمامة على أن يفهمه الجميع بأنه قائد روحي ثائر على الظلم والاضطهاد على شاكلة سليمان بن حمزة وبقية أبناء عمومته. يتزعم مجاهدين أوفياء.
هكذا كان يصفهم يدافعون عن شرفهم ولا يسكتون أمام جبروت الظالم المستبد، بالتنقل بين القبائل أو مراسلتها،كما كان يبعث برسله إلى البعض الآخر في مهمة تعبئة والتبشير بقرب فرحة المسلمين والدعوة إلى تهيئة السلاح والتزود بالبارود والذخائر انتظارا ليوم الفرحة(44) إنه بذلك هو ورفاقه يعلنون كلمة الحق تمازجها لحظات النصر، وفي الوقت نفسه يقيمون حلقات الذكر لقراءة القران الكريم حيثما حل بهم الظلام في زاويتهم المتنقلة يستعيدون أورادهم وأدعيتهم الصوفية العميقة، مهللين ومكبرين ومسبحين على طريقتهم الإيمانية أو العمامية. ويلاحظ أن منهجية بوعمامة في الحرب كانت نفسها في وقت السلم، طريقة حياة منظمة والعيش صراع أزلي، بحث عن الجديد.واستئناس لما ألفته القلوب، فالزاوية ليست دروشة وانجذاب صوفي روحاني في الزهد، وارتداء أقمشة وخرق ومعاطف من الصوف، بل هي نظام حياة مسطر سلفا وبالغ الترتيب والأهمية، وطريقة إيمانية عالية التهذيب متزنة الزهد، يشكل الجهاد أحد أكبر معالمها الرئيسية، فهو الحياة بمفهومها الآني والآتي وهي معادلة قمة في التصوف والاعتدال الوسطي.الذي يؤسس لصناعة رجال من الطراز العالي، وليس لحقن مجاذيب الزهد بمجموعة من المفاهيم المغلوطة التي لاتزيد الإنسان إلى جهالة لجهله بأمور دينه ودنياه، وانطوائية على دروشة مسيئة لا تكاد تعرف من الزهد إلا تعاويذ وتسابيح هي أقرب إلى الشعوذة من الدين الصحيح.
خاتمة:
لقد أسس بوعمامة لفلسفة براغماتية تسهم في التكوين الفطري للرجال، فتفتق الذات المرتبطة بالإيمان على عوالمها، تجعلها تذوب في الصيرورة الاجتماعية والتي تسعى في غالبية الأحيان إلى تغيير الواقع المعاش.والذي يسترعي الانتباه لدى الزعيم الديني أو الشيخ الناسك بالمصطلح المعروف والشائع حتى اليوم،هوأنه لا يتحدث إلا بالقران،ولايكاد ينطق في أحاديثه إلا بكلام الله وهذا الكلام كما هو معروف لا ينطوي على الحقيقة المنزلة الموحي بها فحسب،بل ينطوي زيادة على ذلك قوة جاذبية فائقة، مما أثارت دائرة الحاسدين الذين روجوا الشائعات ضده،فتناقلها المراسلون والكتاب آنذاك ومنها تجرؤه على النساء والشعوذة والجنون أيام الطفولة،ولم يكن ذا شأن كبير في مطلع شبابه، وادعى الضابط الفرنسي فاشي بأنه أصيب بمرض عقلي،استلزم أهله أن يزوروه عددا من المزارات طلب للشفاء كضريح عبدالمؤمن قرب زوزفانة،وضريح سيدي يوسف قرب قصرزفانة،وضريح سيدي سليمان بوسماحة في بني ماسيف بالشلالة الذي بقي به حوالي سنة.
موضوع: تابع.....دورالطريقة العمامية أوالإيمانية في مقاومة الشيخ بوعمامة
________________________________________
الهوامش:
* لم يتفق الباحثون حول مصطلح واحد إزاء مقاومة الشيخ بوعمامة،فالبعض يطلق عليها تسمية ثورة والبعض الآخر يسميه انتفاضة،وطرف ثالث يسميها مقاومة،وفي تقارير الضباط الفرنسيين أطلق عليها إسم تمرد وعصيان،والراجح أن مقاومة الشيخ بوعمامة،هي ثورة قبل أن تكون مقاومة،لأن أبي عمامة بفضل تأثيره الروحي،وحنكته السياسية استطاع أن يغيرمن هيكل التنظيم الاجتماعي في منطقة الجنوب الغربي الجزائري ثم مقاومة لأنها تصدت للتوسع الاستعمار الفرنسي في الجزائر بدء من الجنوب الغربي الجزائري،للتتوسع على المستوى الوطني،وانتفاضة لأن أبي عمامة وقبائل المنطقة لم ترض بسياسة الأمر الواقع التي كان الاستعمار الفرنسي يريد فرضها على سكان تلك الجهات من الجزائر.
(1) د.جميل حمداوي عرض:التصوف الإسلامي ومراحله-ص01
(2)عبدالمنعم القاسمي الحسني:التصوف والصوفية في الجزائر-مجلة الشهاب-الجزائر-ص1
(3) نفسه:ص1
(4) أنظرإلى:مقاومة بوعمامة من طوماسان إلى ليوتي-الملتقى الوطني لمقاومة الشيخ بوعمامة-الجزائر-1999-ص11
(5) هنري كوربان،حسين نصر عثمان يحي:تاريخ الفلسفة الإسلامية –ترجمة نصير برون-فييمي حسن-ط2-منشورات عويدات-1977-ص282
(6)Thoval.J:Dictionnaire de civilisation musulmane; Larousse; éd originale; 1995; p251
(7) د.أحمد حسن:قاموس المذاهب والأديان-ط1-دار الجيل-بيروت-1998-ص139
( د.إبراهيم البسيوني:نشأة التصوف الإسلامي-دار المعارف-مصر-1969-ص.ص17-24
(9) إسماعيل محمود:سوسيولوجيا الفكر الإسلامي-التطور والازدهار-ط1-مؤسسة الانتشار العربي-2000-ص217
(10) نفسه:217
(11) علي حرب:نقد النص-ط3-المركز الثقافي-2000-ص227
(12) أسعد السحمراني:الصوفية-موسوعة الأديان-ط3دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع-بيروت-2005
(13) أنظر إلى الفكر الإسلامي-نقد واجتهاد-ترجمة وتعليق هاشم صالح-المؤسسة الوطنية للكتاب-الجزائر-1993-ص153
(14) نفسه:ص153
(15) أحمد حمدي:جذور الخطاب الأيديولوجي الجزائري-دار القصبة للنشر-الجزائر-2001-ص67
(16) عبدالحميد وزو:ثورة بوعمامة1881-1908(جانبها العسكري1881-1883)-الشركة الوطنية للنشر والتوزيع-الجزائر-1981-ص07-Djillali Sari:l’Insurrection de1881-1882-SNED-1980-p24،محمد السناوي:أضواء على ثورة بوعمامة1881-مقالة-مجلة التاريخ-العدد10-السداسي الأول-المركز الوطني للدراسات التاريخية-الجزائر1981-ص07-
(17) اسم بوعمامة:جاء في المصادر التاريخية بأن الاسم الذي سمي به في الأصل بوعمامة وليس محمداكما هو شائع،لأنه كان يضع العمامة على رأسه.ينظر إلى عبدالحميد زوزو:المرجع السابق-ص07
(18) محمد السناوي:المرجع السابق-ص07-عبدالحميد زوزو:المرجع السابق-ص07
(19) محمد بوحلة التعريف بشخصية الشيخ بوعمامة-الملتقى الوطني الأول لمقاومة الشيخ بوعمامة-الجزائر-1999-ص05-محمد مولاي:استمرارية مقاومة الشيخ بوعمامة-بدون تاريخ-ص106
وفي مصادر تاريخية أخرى ولد بقصر حمام الفوقاني بقصر فقيق حوالي 1838م أو 1840م.وفي رواية تقول بمولده في فرات مستورة قرب نخلة ابن ابراهمي في وادي زوزفانة،.ينظر إلى عبدالحميد زوزو-المرجع السابق-ص37،وعند محمد بوحلة أن الشيخ بوعمامة ولد سنة1251هـ-1883م بمغرار التحتاني قرب العين الصفراء.ينظر إلى التعريف بشخصية الشيخ بوعمامة-ص05-بينما ذكر ل.روسلي(L.Rousselet) أن أبي عمامة ولد بمغرار التحتاني.ينظر إلى: les confins du Maroc- - -1905-p159-BSGOفي حين ذكر موليراس (Mouleras) وبولاسكا (Polaska) أنه ولد في فقيق أو فجيج،ومنهارحلت عائلة الشيخ بوعمامة إلى مغراروهو صغير.ينظر إلى:les oulad Belhorma-Alger--p08-1908-BSG
(20)L.Rouselet: op.cit.p159 -محمد مولاي: المرجع السابق-ص106
(21) محمد مولاي:المرجع السابق -ص103-محمد بوحلة:المرجع السابق-ص05 OctaveDepon ;XavierCoppolani:Lesconfréries religieuses musulmanes-BSGO oran-janvier ;mars-1905 ;p476
(22) محمد مولاي:استمرارية مقاومة الشيخ بوعمامة-ص106
(23) نفسه:ص107(24) نفسه:ص105(25) نفسه:ص105
(26) محمد مولاي:المرجع السابق-ص105
(27) محمد بوحلة:المرجع السابق-ص06
(28)عبدالحميد زوزو:ثورة بوعمامة-ص38
(29)محمد مولاي:المرجع السابق-ص105
(30) عبدالحميد زوزو:المرجع السابق-ص41 عن جريدة البرهان-العدد14-أوت 1881
(31) محمد بوحلة:المرجع السابق-ص06
(32) محمد مولاي:المرجع السابق-ص105
(33) د.بوعلام بسايح:المرجع السابق-ص09
(34) محمد بوحلة:المرجع السابق-ص07
(35) د.بوعلام بسايح:المرجع السابق-ص10
(36) د.يحي بوعزيز:ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين-ج1-ط2-منشورات المتحف الوطني للمجاهدـ الجزائر-1996-ص163-Noèl: Documents pour servir à l’histoire de hamayn-BSGO -1915-1916-p150 –Djillali Sari:op.cit.p25
(37) عمارة بن خليفة:المنابع الروحية وأسلاف الشيخ بوعمامة-الملتقى الوطني الأول حول مقاومة الشيخ بوعمامةمابين9و10/04/2001- النعامة-2001 -ص06
(38) محمد مولاي:المرجع السابق-ص106
(39) د.بوعلام بسايح:المرجع السابق-ص10
(40) عبدالحميد زوز:المرجع السابق-ص42
(41) غرس الله عبدالحفيظ:الزاوية فضاء للتنشئة الاجتماعية مقاربة سوسيو-تاريخية-مجلة المواقف-العدد الأول-المركز الجامعي مصطفى اسطمبولي-معسكر-ديسمبر2007-ص.ص17-18
(42) د.أبو القاسم سعد الله:تاريخ الجزائر الثقافي ج1 الشركة الوطنية للنشروالتوزيع الجزائر1981 ص261
(43) عبدالحميد زوز:المرجع السابق-ص43
(44) محمد مولاي:المرجع السابق-ص106 منقول للفائدة
يعد التصوف مبحثا من أهم المباحث التي يستند إليها الفكر الإسلامي،حيث يرتكز التصوف الإسلامي على ثلاث مكونات أساسية وهي: الكتابة الصوفية والممارسة الروحية والإصلاح الصوفي(1).وتحتل الطرق الصوفية أهمية كبرى في الحياة الفكرية،ومن القضايا الشائكة والمعقدة في تاريخنا الثقافي والديني(2)،ويقول المستشرق الفرنسي إريك جيوفروي(ErickJiofruit)"أن المستقبل في العالم الإسلامي سيكون حتما للتيار الصوفي،ويرى أن الصوفية قدمارسوا السياسة في أحيان كثيرة،كما مارسوا أدوارا ثقافية واجتماعية"(3).
وعلى الرغم من طول مدة مقاومة الشيخ بوعمامة،واتساع مجالها المكاني فإن بوعلام بسايح أشار إلى أنه:"لايوجد عن حياة أبي عمامة من صدى في الجانب الجزائري،إلا ما يتداوله الناس من أخبار شفوية عنه،وانعدام أي أثر تاريخي مكتوب ميلا إلى التستر ونزوعا إلى التكتم وبالمقابل توجد في وثائق الولاية العامة الفرنسية وفي تقارير الضباط الفرنسيين من التفاصيل التاريخية عن أبي عمامة ولكنها عمدت تشويه شخصيته"(4).
وإذا كانت تقارير الإدارة الفرنسية في معظمها ركزت على الجانب العسكري للمقاومة وشوهت حقائقها التي كانت تصل إلى الوزارة الحربية الفرنسية،فإن بعض المؤرخين والباحثين الجزائريين على وجه الخصوص ركزوا في كتاباتهم على جوانبها السياسية والعسكرية إلا أنهم أغفلوا عن دور طريقته الصوفية العمامية أو الايمانية.
وقبل التطرق إلى دور الطريقة العمامية أو الإيمانية في المقاومة الشعبية المسلحة،يفرض علينا البحث أن نعرف التصوف لغة واصطلاحا،ثم نبرز الظروف الاجتماعية والثقافية،التي جعلت بوعمامة يتقلد منصب المشيخية بين قبيلته وقبائل منطقته.
وما أحدثته طريقته العمامية من تغير اجتماعي والذي تجلى في الحد من فكرة الولاء القبلي،والنزاع بين القبائل على أتفه الأسباب وفي الوقت نفسه عملت طريقته على تحقيق الانسجام بين قبائل منطقة الجنوب الغربي الجزائري وعلى توحيدها وتجنيدها لمقاومة الاستعمار الفرنسي بدل التناحر فيما بينها والانتقال بهذه القبائل من النزعة القبلية إلى النزعة الوطنية، من فكرة حماية القبيلة إلى حماية الوطن والدفاع عنه.
1-مفهوم التصوف:
لقد تعددت تعاريف التصوف بسبب انتشار المتصوفة الذين اهتموا به كعلم من خلال دراساتهم وذلك منذ كتب السراج الطوسي القشيري وعبدالقادر الجيلاني،ثم جاء المستشرقون مثل ماسنيون وتولدكه ونيكلسون، ومن المفكرين المعاصرين نجد عبد الرحمان بدوي وأسعد السحراني
1-1-التصوف لغة:
تشتق كلمة التصوف من فعل صوف حعله صوفيا،وتصوف صار صوفيا،أي تخلق بأخلاق الصوفية والصوفية فئة من المتعبدين واحدهم الصوفي(5).ومصطلح صوفي يشير إلى مجموعة من النساك والروحانيين الذين اشتغلوا بالتصوف.
والتصوف باعتباره شاهدا للدين الصوفي في الإسلام هو ظاهرة لاتقدر،فهو أولا وقبل كل شيء إثراء لرسالة النبي الروحانية وجهد مستمر لعيش أنماط الوحي القراني عيشا شخصيا عن طريق الاستبطان(6).
ولقد جاء تعريف التصوف في قاموس الحضارة العربية الإسلامية(Dictionnaire de civilisation musulmane)أن التصوف أو(le Soufisme) بالفرنسية،فأصل الكلمة بالعربية مشتقة من الصوف(7).
1-2-اصطلاحا:
التصوف هو حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي بعد الفتوحات،نشأت كردة فعل مضاد لانغماس بعض الناس في الترف وضروب الملاذ،قوامها إخضاع النفس لأنواع من الرياضات الروحية طمعا في الوصول إلى المعرفة الحقيقية المطلقة،معرفة الله بالكشف والمشاهدة( التصوف هو رحلة روحانية تعتمد على الخلوة والتجلي الرباني،أواللقاء العرفاني المتوج بالوصال والكشف الإلهي،ويعني هذا أن المريد السالك لكي يحقق مراده ألا وهو الوصول إلى الحضرة الربانية،عليه أن يتجرد من أوساخ الدنيا،ويتوب إلى الله،وأن يتطهر من كل أدران الجسد ويبتعد عن ملذات الدنيا،ويترك جانبا شهوات الحياة ومتعها الزائفة الواهمة.وقام إبراهيم البسيوني بتصنيف مجموعة من التعاريف حول التصوف حيث قسمها إلى ثلاثة أقسام:
1-2-1القسم الأول: تعاريف تتحدث عن البداية:التصوف كراهية الدنيا ومحبة المولى عزوجل.
1-2-2القسم الثاني: يتحدث عن المجاهدات:التصوف خلق،فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الصفاء،التصوف أن لاتملك شيئا وأن لايملكك شيء،التصوف هو قلة الطعام والسكون والفقراء من الناس،
1-2-3القسم الثالث: فيتحدث عن المذاقات:التصوف أن تكون مع الله بلا علاقة هو استرسال النفس مع الله على مايربد وتوصل في الأخير إلى أن التصوف تيقظ فطري يوجه النفس الصادقة إلى أن تجاهد حتى تحظى بمذاقات الوصول،فالاتصال بوجود المطلق(9).
أما محمد عابد الجابري فقد أرجع أصول التصوف إلى الهرمسية بطلمساتها وعلومها السحرية والسرية(10)،وفي نقده للعقل العربي ترى فلسفة ابن سينا قتلة العقل في الوعي العربي،أما عن ابن عربي لم يرفي كل ماأبعده سوى نتاج يمثل اللامعقول،الوافد على الإسلام والثقافات والديانات السابقة(11).
-التصوف هو طريقة ونهج في السلوك العبادي،عماده الزهد والتوبة،وقد سبقت التصوف حركة زهد نبعت من جوهر الإسلام قرانا وسنة،ولكن المجرى التاريخي للطرق الصوفية عرف مؤثرات دخيلة فيما بعد وردته من مصادر شتى من المسيحية والزرادشتية واليهودية ومن الفرس والهند واليونان،لذلك توزع الصوفيون على مذاهب ومدارس،عرفت بإسم الطرق الصوفية(12).ويفرق"محمد أركون" بين الصوفية والتصوف.
فعرف الصوفية"بأنها تيار فكري يتمتع بأسلوب حياة دينية يستخدم الشعائر والاحتفالات الفردية والجماعية،من أجل أن يجعل الجسد والروح يتواكبان ويساهمان في عملية تجسيد الحقائق الدينية، فالتجربة الصوفية موجودة في كل الأديان وليست بالتالي حكرا على الإسلام وحده"(13).
أما التصوف"في مقصده النهائي والأعمق يمثل أولا التجربة المعاشة نتيجة اللقاء الحميمي والتوحيدي بين المؤمن والإله الشخصي؛أي اللانهائي والمطلق المرتبط بالألوهية بالنسبية لمجمل الأديان، وهذه التجربة محللة وموضحة،بواسطة محاسبة الضمير،وعودة الصوفي على ذاته والتجربة التي تحظى بالتأمل على هذا النحو لكلمة تأمل،ثم توضع كتابة تغذي المريد الذي ينخرط في السلوك الصوفي تحت إمرة شيخ ما"(14)
2-مفهوم الطرق الصوفية:
هي شكل من أشكال التنظيم الديني السياسي والثقافي،يغلب عليها طابع الغموض والسرية وتتصف في علاقاتها بالسلطة بالاضطراب،والتمرد في كثير من الأحيان والمساندة والمؤازرة في بعض الأحيان الأخرى(15)
3-نشأة الشيخ بوعمامة الاجتماعية والدينية:
نشأ بوعمامة(15) في أسرة بدوية محافظة،كانت تتميز بالعلم والتصوف،بدأ يحفظ القران بالكتاتيب بالحمام الفوقاني(فقيق)،عرفت عائلته بتقواها الديني،وحرصها الشديد على تطبيق شعائر الإسلام فهومن أحفاد الفقيه المتصوف عبدالقادر بن محمد المعروف في الجنوب الغربي الجزائري بلقب سيدي الشيخ.
ويلاحظ أن الشيخ بوعمامة عاش في وسط أسرة كلها تتميز بالتصوف،ولا شك أن مثل هذا الوسط الاجتماعي قد أثر بشكل أو بآخر في شخصيته،مما جعله يسلك نفس المسلك الذي اتبعه أجداده وهو طريق الزهد والتصوف،ومع ذلك عاش المرحلة الأولى من حياته في بيئة جغرافية وطبيعية حتمت على سكانها الخضوع لنزواتها.
فاحترف الرعي وفق الطرق التقليدية والزراعة المعاشية بوسائل بسيطة،وتجارة القوافل في ظروف جد صعبة،والتي عرضت العديد من الذين مارسوها للإغارة والسلب وذلك كبقية شباب المنطقة،وكانت تجارة القوافل تشكل همزة وصل بين الصحراء والتل الوهراني،والتي سمحت له بتوطيد علاقات مع أهل التل والصحراء،ويطلع على أحوالهم،ويكتسب تجربة وخبرة من خلال نشاطه التجاري(16).
ترعرع بوعمامة في مجتمع سادت فيه الاضطرابات والفتن والنزعات القبلية، وحب الزعامة والتسلط دون انتشار الوعي الثقافي،مما عرقل الأنشطة الاقتصادية،وجمد النشاط العقلي والثقافي عامة تربى بوعمامة في رعاية والده السي العربي بن الحرمة الذي كان يحترف الرعي والتجارة والذي قرر مع نفسه(17).
أن يجعل ابنه ملازما لعمه سي المنور الذي تلقى على يده تعليمه الأول وعلى يد الشيخ محمد بن عبدالرحمان أحد مقدمي الطريقة الشيخية والشيخ الشريف مصطفى بن محمد بن عبدالله والطيب بن يعقوب هؤلاء الذين زرعوا فيه النيات الطيبة من علوم الفقه والشريعة وحسن الخلق(18)، فحفظ سورا عديدة من القرآن،إلا أنه لم يتمكن من إتمام الستين حزبا(19)، وبعض الأحاديث النبوية الشريفة والشعائر الدينية الأساسية،والأوراد والأذكار الخاصة بالطريقة الشيخية،ثم المبادىء العامة للتصوف والزهد في الحياة،مما أهله لتولي منصب مقدم(20).لم يتعمق الشيخ بوعمامة في العلوم الدينية والصوفية مثل جده سيدي سليمان وسيدي الشيخ والسبب في ذلك هو أن التعليم في منطقته كان رتيبا سطحيا،يعتمد على حفظ القران دون تدبر وتفهم آياته،يقوم به محفظون مشارطين كانوا في الغالب يفيدون من تافيلات وكرزاز وقورارة،وإذا كانت هذه الدراسة بسيطة وفق مفهوم العصر الحالي فإنها اعتبرت حسب مفاهيم عصره ومحيطه الاجتماعي ثقافة ومعرفة عالية ميزته عن غيره بكل الخاصيات،فنال الإعجاب والتقدير.
وكان في نظر الأغلبية من المحيطين به عالما بدون مبالغة أو إطراء(21)في حين ذكر أحد الباحثين أن أبي عمامة حفظ القران الكريم والعلوم الدينية في وقت مبكر على يد مشايخ أمثال الشيخ بحوص والطيب بن يعقوب،والشيخ الشريف محمد بن عبدالله، والشيخ مصطفى ابن محمد(22).
بينما ذكرت تقارير الضباط الفرنسيين أن أبي عمامة حفظ القران الكريم إلى جانب ممارسات أخرى هي مزيج من الخرافة والغرابة والغموض خاصة برجال الزوايا التي يحيطونها بالكتمان لما لها من تأثير على العقول وسلطان النفوس،وبالنظر إلى أنها مقياس والتفوق ومفتاح الاستلهام،وأداة اختراق(23).
فالعصر الذي عاش فيه بوعمامة لم يكن يزخر بحواضر متميزة بالعلم والعلماء في هذه المنطقة من الجزائر،فذهب بعض الباحثين أن أبي عمامة زار قبل استقراره في مغرارالتحتاني تلمسان وفاس وعدة مناطق في الجنوب الوهراني طلبا للعلم(24).
بينما ذهب البعض الآخر أن أبي عمامة هاجر إلى المغرب الأقصى ليتابع تعليمه بجامع القرويين وأنه كرس حياته في طلب العلم،والبحث في الأمور الفقهية المختلفة،ولكن إطلاعه الواسع قد يدل على أنه وصل المغرب بطريقة أو بأخرى،زادت من معارفه،وعمقت في فلسفته وفكره.وربما قد نهل بوعمامة من المصادر المهمة التي وقعت بين يديه،
فأخذ ماكان يجب أن يأخذ فثقف وتفقه،واطلع على كثير من المعارف التي كان يرغب في الاطلاع عليها(25).والراجح أنه لم يتمكن من بلوغ هدفه،ولم تكن ثقافته واسعة،ولم يحفظ من القران الكريم إلا بعضه،ويستنج ذلك من خلال خطابه الديني والسياسي الموجه إلى فئات المجتمع الذي كان يعيشه،حيث كان يلقيه بلغة الدارجة المحلية الخاصة بالمنطقة في كثير من الأحيان وكان يستشهد من حين لآخر بالآيات القرآنية،وبعض الأحاديث النبوية الشريفة،وكذلك من خلال كلمات وأسلوب رسائله التي كان يبعث بها إلى السلطات الاستعمارية الفرنسية كانت تكتب بألفاظ الدارجة المحلية تتخللها بعض الكلمات باللغة العربية الفصحى.أوربما كان بوعمامة يتعمد توظيف اللغة الدارجة لكي تتفهمه مختلف شرائح المجتمع التي كانت غالبيتها أمية وبالتالي يمكن أن يبلغ خطابه بأسلوب سهل تدركه وتفهم مقاصده جميع الفئات.
تزوج بوعمامة بربيعة ابنة عمه السي المنور،والتي أنجبت له السي الطيب في سنة1870م.بحيث كان له رفيقا في بقية حياته وفي معاركه،وبعد إعلان مقاومته تزوج الشيخ بوعمامة عدة مرات وفي فترات متباعدة حسب الظروف والأحوال من قبائل مختلفة كالشعانبة متليلي،ومن أولاد سيدي أمحمد عبد الله،والرحامنة نسبة إلى عبدالرحمان أحد أبناء سيد الشيخ،ومن قبائل مغرار،ولاشك أنه كان يهدف من وراء ذلك إلى تمتين الروابط مع العديد من القبائل بالمصاهرة لجمع الكلمة وتوحيد الصفوف(26).
اقتداء بسنة الرسول (صلع)،وما أصعب بلوغ هذا الهدف في مجتمع مزقته النزعات والخلافات والأهواء في الوقت الذي تكالب فيه الاستعمار على البلاد.
3-مميزات شخصية بوعمامة:
ذهب بعض الباحثين أن بوعمامة عرف بالورع والحكمة وسداد الرأي ونفاذ البصيرة وحسن التدبير تألقا بجديه القطبين الصالحين سيدي الشيخ وسليمان بوسماحة.
وكان يتميز بشرف نسبه وسمعته الطيبة،ونبل خلقه وسيرته الورعة ولطف تعامله مع الجميع وبالتقوى والصلاح والزهد والتقشف والتنسك،وقيل أن منذ صباه حبب له التصوف والزهد والخلاء(27).وكان بوعمامة على خلاف بقية أفراد عائلته يتميز بالوعي السياسي والتفكير والاهتمام بمصير وطنه(28).
فتمتع بسمعة طيبة وصيت رائع ومكانة مرموقة(29)،وفي صحيفة البرهان المصرية الصادرة بالإسكندرية كتبت عن الشيخ بوعمامة تقول"هو زعيم الثائرين صيته في الافاق،وانتشر له ذكر جميل،وهو رجل من أهل الدين والصلاح،معتقد عند أصحابه وفي جميع الجهات التابعة للصحراء،وهو فيما يقولون من ذوي الإلهام الإلهي"(30).
فرغم ثقافته المتواضعة،ودرجات التفقه غير العميق مقارنة بمشائخ الطرق العريقة كالأمير عبدالقادرعلى سبيل المثال لا على سبيل الحصر؛إلا أنه استطاع مجاراة أحداث زمانه نتيجة دهائه السياسي، وخبرته بالمنطقة،وكان صاحب خبرة ومجالسة ومعارف شفوية مهمة التي عرفها بها كبار القادة وعظماء الرجال،وكان يراسل شيوخ القبائل ويشاورهم في الأمر وكانوا يسدونه النصيحة فيما يقدم عليه من أعمال.
موضوع: تابع.....
________________________________________
-الطريقة العمامية أو الإيمانية مصادرها وانتشارها ومميزاتها:
4-1-مصادرها:
ذكر أحد الباحثين أن طريقة بوعمامة الصوفية كانت هي طريقة أجداده أولاد سيدي الشيخ، التي كانت تستمد طقوسها من الطريقة الطيبية(31)ذات الانتشار الواسع بالمغرب الأقصى والغرب الوهراني، وقد ادعى الضابط الفرنسي دوفرييه(De Free )بأن طريقة بوعمامة الصوفية هي الطريقة السنوسية(32)التي هي طريقة عائلة الكونتي في تمبوكتو وكل غرب إفريقية تلك العائلة التي لها قرابة مع أولاد سيدي الشيخ.
اقتدى بوعمامة بسيرة وسلوك ونظام زاوية أجداده، ويظهر أن للسنوسيين تأثير كبير عليه(33).في حين ذكر أبو القاسم سعدالله "...أما نسب أولاد سيد الشيخ الروحي فهو قادري شاذلي،وقد كان سيد الشيخ تابعا لتلاميذ الشيخ أحمد بن يوسف الملياني،ولكن الذي أدخله إلى الطريقة هو محمد بن عبدالرحمان السهيلي القادري الشاذلي..."(34).
ويبدو أن أولاد سيدي الشيخ كانت لهم سلسلة صوفية يتوارثونها،وفيهم من دخل الطريقة الطيبية ولذلك قيل عنهم ليسوا طريقة صوفية مثل الطرق الأخرى،ولكنهم مزيج من أهل الدنيا والدين وأنهم استعملوا نفوذهم الروحي وأصلهم النبيل من أجل تكثير الأتباع واكتساب حظوظ الدنيا والتنافس على السلطة، وكان ذلك ظاهرا في عهد الاحتلال بالخصوص(35).وقيل أن أبي عمامة اختاراسما جديدا للطريقة الشيخية التي تعد فرعا من فروع الطريقة اليوسفية والشاذلية،حتى وإن بدل فيها بعض مايمكن أن يبدل من أمور طفيفة لاتمس بجوهر الطريقة الشيخية بل هذبها.
وماهو متعارف بين المتصوفة أن التلميذ لا يخالف طريقة أستاذه إلا ما ندر في بعض الحالات الشاذة، وأستاذه الشيخ بن عبدالرحمان كان شيخيا، فلايمكن للتلميذ أن يشذ عن القاعدة العامة إلا بإذن خاص،وجند بوعمامة كل الطرق الصوفية، ووحد بين الرحمانية والدرقاوية
4-2-انتشارها:
انتشرت طريقة بوعمامة الإيمانية في الجنوب الجزائري وفي الهضاب العليا الغربية الجزائرية وغرب الجزائر وشرق المغرب الأقصى،وكانت مفتوحة على كل المسلمين،وقد وصلت الإيمانية إلى تركيا والسودان وبلدان آسيا(36).
4-3-مميزاتها:
كانت الطريقة الإيمانية تدين النزاع والاختلاف الذي كان يقوم بين الطرق الصوفية،وكانت تستند في نصوصها ومبادئها على القران والسنة(37)،وكانت تتميز برفض مفهوم البركة الوراثية فنظرة الشيخ للبركة كانت مخالفة تماما لنظرة الطريقة الشيخية،ولكل فرد بركته حسب عمله وتقواه،وكان يرى أن البركة هي أمر شخصي يحصل عليها الفرد وتنتهي بوفاته ولا يمكن أن تنتقل هذه البركة إلى شخص آخر وليست وصية دائمة(38)وكانت تحارب البدع والخرافات والشعوذة والدروشة وكان مطلوبا من أتباعها ومريديها التعاون للجهاد معا ضد أعداء الإسلام.
5- موقف قبائل الجنوب الغربي الجزائري من الطريقة العمامية:
لقد زكت قبائل المنطقة الشيخ بوعمامة وطريقته الإيمانية الصوفية.واختارته دون سواه واعترفت له بالمشيخة،وسيدا جديدا للزاوية وشيخا روحيا لهذه الطريقة الصوفية المرتبطة به شخصيا والتي أطلق عليها إسما أصبحت الوفود ترتاح إليه،ومن البداية برز تفوقه وذكاءه الخارقين متوخيا تغييراسمها وهي الطريقة الإيمانية أوالعمامية،تفاديا للصراع الذي قد ينشب مع بني عمومته،والذي كان في غنى عنه.
والراجح أن الشيخ بوعمامة حاول أن يتحاشى الخوض في الصراع الذي لاينفع خاصة في تلك الظروف الصعبة التي كانت تتطلب توحيد الصفوف ونبذ التفرقة ولعله عامل نهائي في تمكين ولاء هذه القبائل المختلفة المجاورة لشيخ الطريقة ومقدمها.وكان من إشعاع الطريقة الصوفية أن تسارع الأتباع والمريدون إليها بأعداد كثيرة.
وقد أشار الضابط الفرنسي بيمودو(Pimodo)بقوله:"لهذا كان المسلمون ينظرون إلى الشيخ بوعمامة أنه القائد الكبير الذي قاتل ضد المسيح في الجزائر،والذي قاتل باسم الله ومحمد، ولم يقبل قوانينا ولم ينحن إلينا" وذهب أحد الباحثين بقوله":ويبدو من التقارير الفرنسية المتوفرة أن إقبال الناس على تأييد بوعمامة.
وتقديم عروض الولاء له لم يكن كله تلقائيا، وإنما وليد خطة مرسومة، ذلك أن أبي عمامة كان يدعو إلى الخروج عن السلطة الفرنسية"(39).
ومن مظاهر تأثير الطريقة العمامية على قبائل الجنوب الغربي الجزائري أنها أصبحت تعتز وتفتخر بالشيخ بوعمامة،وجعلت البعض من أفراد هاته القبائل يمدحونه بقصائد شعرية هامة ويردد الأهالي هذه الأشعار تشريفا وتكريما وتعبيرا عن محبتهم له،ومحاسن أعماله.
6-أثر الطريقة العمامية في المقاومة:
لقد ركز بوعمامة في بداياته على ربط الصلة الروحية بالقبائل، فجعلها تتعلق بمنهجيته في الطريقة الايمانية المستوحاة في جوهرها من الشيخية التي وسمها بطابعه الورع وحياته الجهادية ولعل العنصر الرئيسي في بصمات بوعمامة هي المرتكز الجهادي الثائر على الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها المنطقة،كالأحقاد والضغائن بين الناس والفرقة بين الأهل ومن خلال هذه الأوضاع استطاع بوعمامة أن يتفهم ذهنية المنطقة.
وتوصل إلى أن الوازع الديني وحده الكفيل،بتغيير ما يسود هنالك من ماسي،فصمم أن يستغل هذا الجانب ويركز عليه،ويجعله أداة يتوصل من خلالها إلى مبتغاه الأسمى ألا وهو السيطرة الكلية على الذهنيات،والعقول التابعة لسلطته إنها سلطة روحية مطلقة.
ويبدو أن الشيخ بوعمامة استطاع أن يجعل من هذه القبائل غير المستقرة على فكرة أو هدف وعندما استتب له أمر المشيخة، وأحكم قبضته على الزاوية، صار له أتباع ومريدين وتلامذة ومجاذيب شد عقولهم بما كان له من جاذبية.
فسعى إلى تغيير نزعة الدروشة والجذب الغالبين على معظم الأتباع، فالواقع الثقافي المزري الذي كان عليه آخر القرن التاسع عشر.والغارات المتتالية من طرف قطاع الطرق أو من طرف مخزن سلطان المغرب الأقصى،وسفهاء القبائل البعيدة كلها حرية بأن لا يبقى الإنسان مكتوف الأيدي أمامها، بل يجب الحد منها بتغيير ذهنية هذه الفئات التي كانت تقوم بنهب وسلب أموال الناس.
والانتقال بهذه القبائل من الصراعات المحلية إلى الجهاد ضد الاحتلال الفرنسي، وتوظيف قدرتها العسكرية ضد قوات الاستعمار الفرنسي، وشحن هذه القبائل بالإيمان والجهاد في سبيل الله وعمل على تغيير العلاقات الاجتماعية بين هذه القبائل، بحيث استطاع بتأثيره الروحي أن ينمي الوعي السياسي الوطني بدل القبلي في مجتمعه.
وكان للطريقة الايمانية تأثير على سلوكات ومواقف القبائل التي اتبعت طريقته، وفي الوقت نفسه توصل بوعمامة بحنكته الدبلوماسية أن يوطد علاقات سياسية مع السلطة المغربية لوضع حد للتعسف الصادر عن المخزن.
كان أتباع الشيخ بوعمامة ومريدوه يتميزون بخاصية وهي أنهم جنود الحق ذلك حسبما جاء في الطريقة الايمانية لا يغزون أحدا، بل يدافعون في حالة الغزو، والأكثر من ذلك كله فإن الطريقة الايمانية كانت محفوظة في صدور المريدين والأتباع تكون حيث يكونون ولا يكونون إلا حيث يكون الحق، تلك هي قاعدة الشيخ بوعمامة الثابتة يحدعنها لحظةلا يظلم أحدا ولا يعتدي على قبيلته،
فالتصوف ومحبة طلب الحكمة والتعلق بالدين مجد مؤصل متوارث عبر القرون والأزمان.كان بوعمامة قد نذر نفسه للتأمل والنسك، ولكن دون أن يحصر تأمله ذلك في أبعاده الصوفية، بل كان تفكيره يشمل نظام الحياة وواقع المجتمع والبلاد، أي جوهر النظام السياسي للبلاد لينتهي في آخر المطاف إلى طرح مشكلة احتلال القوات الأجنبية للتراب الجزائري،
5-الظروف السياسية للمنطقة قبل المقاومة:
عرفت المنطقة التي عاش فيها أبوعمامة،والتي تربطها والمغرب الأقصى حدودا سياسية بانعدام النظام السياسي المركزي،وسلطة الدولة منذ زوال الدولة الزيانية،والهضاب العليا الغربية ومنطقة الأطلس الصحراوي تمر بفترة فتور سياسي، بحيث كانت محل صراع بين سلطة المغرب الأقصى والحكم العثماني في الجزائر،وبالتوتر وعدم الاستقرار خاصة في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وبانعدام الأمن وسيطرة سلطة القبائل كلية، وتفشي ظاهرة الإغارة والسلب والنهب بين القبائل، واعتداء مخزن السلطان المغربي الذي كان لا يتساهل مع هذه القبائل، فكان يمارس معها سياسة العصا الغليظة،خاصة عندما كانت قبائل هذه المنطقة وهم أولاد سيدي الشيخ،العمور حميان وأهل القصور ترفض دفع الضرائب.
وفي نفس الوقت كان المخزن يشكل خطرا جاثما يهدد الأمن، مما كان يجعل المنطقة كلها على حافة حرب.فكانت بؤرة توترات وحروب سواء تعلق الأمر بالغزو الفرنسي أو مخزن السلطان المغربي.ومن ثم بات واضحا أن زاوية مغرار التحتاني.
ويلاحظ أن الزاوية قد حسم الأمر في شيخها ومقدمها من البداية، وبهذه المكانة العلمية والفكرية التي تألقت في شخصية أبي عمامة جعلته يوظف فكرة الجهاد من شعائر الدين، بدأ بالتعبئة الدينية والنداء إلى الجهاد ضد الغزو الفرنسي الكافر.
7-موقف بوعمامة السياسي من الإستعمار الفرنسي:
راسل بوعمامة قادة المستعمر الفرنسي،واستقبل مبعوثي بعض القادة الفرنسيين وقد أجابهم مشافهة وعبر رسائل،وفي كل الحالات كان يلح على ترديد كلمته التاريخية المشهورة يجب أن تخرجوا من أرضنا،رافضا الصلح بكل صوره،بل أنه كان يراه خيانة، إلا أن إيمانه القوي وجاذبيته وكره للمستعمرين الكفار،ولد فيه الرغبة في الجهاد،فتحمل كل مسؤولياته كجميع الزعماء،وأعلن المقاومة الشعبية في الجنوب الوهراني ضد الوجود الفرنسي.
زار النقيب الفرنسي دي كاستري(De Castrie) الذي كان يحسن اللغة العربية ويتكلمها بطلاقة، وقدم عليه في قصر مغرار التحتاني على رأس فوج من القوم ليستطلع أخباره ويسبر نياته ومقاصده باسم السلطات الفرنسية،وعرض عليه مساعدة في شكل أطباء وأدوية وأغذية كان جواب أبوعمامة"قل لحكومتك أن هؤلاء السكان لايحتاجون شيئا،وأنهم يقنعون بقليل من التمر والماء، ولكنهم ينفرون من الظلم ويستفزهم العدوان" (40).
ولما بلغ هذا الطور من التأمل والتفكير، قرر أن ينظم نفسه ويعد العدة لمحاربة القوات الفرنسية، قبل أن يستفحل أمرها، وتحتل الجنوب الجزائري كله وكذلك تعلم الطريقة بما يؤهله لأن يكون مقدما شيخيا،اشتهربوعمامة لأنه أشرف على مقاومة كادت أن تعم الغرب الجزائري بأكمله، وأدرك بالبديهة الصائبة والرأي الراجح الدور الذي يجب أن تلعبه الزوايا في هذا الوقت بالذات، فاستطاع أن يمزج بين ماهو سياسي وعسكري، وماهو روحي
8-تأسيس الزاوية ودورها في المقاومة:
8-1 تعريف الزاوية لغويا:
الزاوية من زوي مصدر زوي الشيء،يزويه وزيا وزويا،فانزوى أي نحاه فتنحى،وزواه قبضه وزويت الشيء جمعته وقبضه،اشتقت عبارة الزاوية من فعل يحيل على الضدين،فيفيد أزال من جانب،وجمع من جانب ثاني.وأضاف صاحب اللسان الزاوية واحدة الزوايا،ومن المعاني المتصلة بفعل زوى معنى القرب،وقد ورد في حديث عمربن الخطاب كان له أرض فزوتها أرض أخرى،وهي معنى الإحاطة بالشيء،وفي المظهر المحسوس،فليست الزاوية في المعنى اللغوي بما في اللغة من حالات نفسية واجتماعية هروبا من الحياة واختيار التنسك،بل هي تأليف بين ضدين التنحي والقبض(41)
8-2اصطلاحا:
الزاوية هي عبارة عن مجموع مكون من مسجد ومدرسة أومعهد للتعليم الديني القرآني ومأوى للطلبة داخليين يعيشون في تلك الزاوية بدون مقابل،وقد يضاف إلى ذلك صريح مؤسسها وتسمى غالبا باسمه،ولها طريقة تنتمي إليها،وتمويلها يأتي من أتباعها ومما يتبرع به عليها المحسنين من أراضي زراعية أو بساتين وعقارات وغيرها أو من تبرعات مالية فردية أو جماعية(42)أسس بوعمامة زاوية بمغرار التحتاني الواقعة في أقصى الجنوب الوهراني سنة1876م زاوية قوية بعيدة النفوذ،تحملت مهمة القيام بعدة وظائف متكاملة فقد كانت كتابا لتحفيظ القران الكريم،ومدرسة لتعليم الطريقة وناديا لترديد الأذكار والأوراد،وملجأ لأبناء السبيل والمحتاجين والفقراء والمساكين،ومستوصفا لعلاج المرضى؛إلا أنها تحولت إلى خلية إعداد المقاومة والاستعداد للجهاد.
ولعل أبرز خاصية في تكوينها هي فكرة الولاء ولاء المريد للمقدم والمقدم للشيخ والشيخ للقطب والقطب للغوث والغوث للحق الله عز وعلا،والولاء يأخذ معنى الطاعة والطاعة أساس الملك وأصبح الأتباع يقدمون الهدايا والهبات لزاويته.
وانهالت الأرزاق عليها والأموال كذلك كان شأن زاويته الإيمانية،فقد مرت بعدة مراحل في حياته ولكنها لم تتغير،بل كانت تتطور،فبعد أن أسسها في مغرار التحتاني وجدد الحصون حولها وبناء جوانبها،ولكن سرعان ما نقلها إلى تيوت،ثم استقر بها الحال في خيمة متنقلة عبر التلول والفيافي،ثم تقيم حينا في دلدول قرب تميمون بالجنوب الجزائري.
9-موقف الإستعمار الفرنسي وأعوانه من الزاوية:
أثارت الزاوية شكوك المستعمرين وأعوانهم من القياد المحليين،خاصة بعد أن نشطت حركة الدعوة والدعاة والمبعوثين المنطلقين من الزاوية،أو العائدين إليها بالردود والأجوبة والأخبار ونتائج الاستطلاعات،وبالتالي أصبحت الزاوية ونشاطاتها محل مراقبة من قبل الاستعمار وأعوانه،ومن هنا بات من المحتم علي أتباعها أن تكون محمولة على الأكتاف فهي تارة في مغرار التحتاني وتارة في تيوت.
وأطوار أخرى بين هذه وتلك،إن زواية الشيخ بوعمامة فريدة ومتفردة، فهي متنقلة من مكان إلى آخر.ويفهم من الوثائق الفرنسية أن أبي عمامة اعتمد على أسلوب آخر لكسب ثقة مريديه وتقوية عزيمة مؤيديه، وترسيخ إيمان الجميع والمؤمنين بما كان يدعو إليه في النصر المؤكد، يقوم على تنفيذه لمشاهد خارقة، وتقديمه لعروض سحرية مدهشة للمشاهدين وباهرة للزوار،وإذا باعتقاد الكل في برهان الشيخ وبركاته وتؤيد بعض التقارير الفرنسية هذه النتيجة عند قولها":إن الزائرين لبوعمامة يرحون عقلاء ويغدون مجانين"(43)ولهذا جاءت فكرة الجهاد عند الأتباع جزء من تحقيق الولاء الصافي الصادق، وبذلك سهلت عملية الإقناع، وصارت مستساغة من طرف الجميع، وكان الانتقال إلى التطبيق الفعلي مستدرجة منطقيا، لا يختلف حولها أحد.إن العامل الموضوعي الرئيسي والذي يبدو مباشرا في إعلان الجهاد من طرف الشيخ بوعمامة هو الوازع العقائدي.
بل أن الجحافل المنضوية تحت راية جهاده،والتي تعد بالآلاف في بعض الفترات ما كان لها أن تكون لولا شدة اقتناعها بأنها تحارب قوات الكفر،وتحمل شعار الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق، خاصة وأن الجميع متأكد بأن الزعيم الروحي،ليس له من هدف يصيبه إلا الإيمان الراسخ، ثم إنه أثبت للملأ بأنه لا يسعى إلى تكوين زعامة سياسية منمذجة لما كانت عليه سلطانية المغرب مثلا التي كانت تجمع الضرائب على الفلاحين والموالين والتجار وإنما كان تركيز بوعمامة على أن يفهمه الجميع بأنه قائد روحي ثائر على الظلم والاضطهاد على شاكلة سليمان بن حمزة وبقية أبناء عمومته. يتزعم مجاهدين أوفياء.
هكذا كان يصفهم يدافعون عن شرفهم ولا يسكتون أمام جبروت الظالم المستبد، بالتنقل بين القبائل أو مراسلتها،كما كان يبعث برسله إلى البعض الآخر في مهمة تعبئة والتبشير بقرب فرحة المسلمين والدعوة إلى تهيئة السلاح والتزود بالبارود والذخائر انتظارا ليوم الفرحة(44) إنه بذلك هو ورفاقه يعلنون كلمة الحق تمازجها لحظات النصر، وفي الوقت نفسه يقيمون حلقات الذكر لقراءة القران الكريم حيثما حل بهم الظلام في زاويتهم المتنقلة يستعيدون أورادهم وأدعيتهم الصوفية العميقة، مهللين ومكبرين ومسبحين على طريقتهم الإيمانية أو العمامية. ويلاحظ أن منهجية بوعمامة في الحرب كانت نفسها في وقت السلم، طريقة حياة منظمة والعيش صراع أزلي، بحث عن الجديد.واستئناس لما ألفته القلوب، فالزاوية ليست دروشة وانجذاب صوفي روحاني في الزهد، وارتداء أقمشة وخرق ومعاطف من الصوف، بل هي نظام حياة مسطر سلفا وبالغ الترتيب والأهمية، وطريقة إيمانية عالية التهذيب متزنة الزهد، يشكل الجهاد أحد أكبر معالمها الرئيسية، فهو الحياة بمفهومها الآني والآتي وهي معادلة قمة في التصوف والاعتدال الوسطي.الذي يؤسس لصناعة رجال من الطراز العالي، وليس لحقن مجاذيب الزهد بمجموعة من المفاهيم المغلوطة التي لاتزيد الإنسان إلى جهالة لجهله بأمور دينه ودنياه، وانطوائية على دروشة مسيئة لا تكاد تعرف من الزهد إلا تعاويذ وتسابيح هي أقرب إلى الشعوذة من الدين الصحيح.
خاتمة:
لقد أسس بوعمامة لفلسفة براغماتية تسهم في التكوين الفطري للرجال، فتفتق الذات المرتبطة بالإيمان على عوالمها، تجعلها تذوب في الصيرورة الاجتماعية والتي تسعى في غالبية الأحيان إلى تغيير الواقع المعاش.والذي يسترعي الانتباه لدى الزعيم الديني أو الشيخ الناسك بالمصطلح المعروف والشائع حتى اليوم،هوأنه لا يتحدث إلا بالقران،ولايكاد ينطق في أحاديثه إلا بكلام الله وهذا الكلام كما هو معروف لا ينطوي على الحقيقة المنزلة الموحي بها فحسب،بل ينطوي زيادة على ذلك قوة جاذبية فائقة، مما أثارت دائرة الحاسدين الذين روجوا الشائعات ضده،فتناقلها المراسلون والكتاب آنذاك ومنها تجرؤه على النساء والشعوذة والجنون أيام الطفولة،ولم يكن ذا شأن كبير في مطلع شبابه، وادعى الضابط الفرنسي فاشي بأنه أصيب بمرض عقلي،استلزم أهله أن يزوروه عددا من المزارات طلب للشفاء كضريح عبدالمؤمن قرب زوزفانة،وضريح سيدي يوسف قرب قصرزفانة،وضريح سيدي سليمان بوسماحة في بني ماسيف بالشلالة الذي بقي به حوالي سنة.
موضوع: تابع.....دورالطريقة العمامية أوالإيمانية في مقاومة الشيخ بوعمامة
________________________________________
الهوامش:
* لم يتفق الباحثون حول مصطلح واحد إزاء مقاومة الشيخ بوعمامة،فالبعض يطلق عليها تسمية ثورة والبعض الآخر يسميه انتفاضة،وطرف ثالث يسميها مقاومة،وفي تقارير الضباط الفرنسيين أطلق عليها إسم تمرد وعصيان،والراجح أن مقاومة الشيخ بوعمامة،هي ثورة قبل أن تكون مقاومة،لأن أبي عمامة بفضل تأثيره الروحي،وحنكته السياسية استطاع أن يغيرمن هيكل التنظيم الاجتماعي في منطقة الجنوب الغربي الجزائري ثم مقاومة لأنها تصدت للتوسع الاستعمار الفرنسي في الجزائر بدء من الجنوب الغربي الجزائري،للتتوسع على المستوى الوطني،وانتفاضة لأن أبي عمامة وقبائل المنطقة لم ترض بسياسة الأمر الواقع التي كان الاستعمار الفرنسي يريد فرضها على سكان تلك الجهات من الجزائر.
(1) د.جميل حمداوي عرض:التصوف الإسلامي ومراحله-ص01
(2)عبدالمنعم القاسمي الحسني:التصوف والصوفية في الجزائر-مجلة الشهاب-الجزائر-ص1
(3) نفسه:ص1
(4) أنظرإلى:مقاومة بوعمامة من طوماسان إلى ليوتي-الملتقى الوطني لمقاومة الشيخ بوعمامة-الجزائر-1999-ص11
(5) هنري كوربان،حسين نصر عثمان يحي:تاريخ الفلسفة الإسلامية –ترجمة نصير برون-فييمي حسن-ط2-منشورات عويدات-1977-ص282
(6)Thoval.J:Dictionnaire de civilisation musulmane; Larousse; éd originale; 1995; p251
(7) د.أحمد حسن:قاموس المذاهب والأديان-ط1-دار الجيل-بيروت-1998-ص139
( د.إبراهيم البسيوني:نشأة التصوف الإسلامي-دار المعارف-مصر-1969-ص.ص17-24
(9) إسماعيل محمود:سوسيولوجيا الفكر الإسلامي-التطور والازدهار-ط1-مؤسسة الانتشار العربي-2000-ص217
(10) نفسه:217
(11) علي حرب:نقد النص-ط3-المركز الثقافي-2000-ص227
(12) أسعد السحمراني:الصوفية-موسوعة الأديان-ط3دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع-بيروت-2005
(13) أنظر إلى الفكر الإسلامي-نقد واجتهاد-ترجمة وتعليق هاشم صالح-المؤسسة الوطنية للكتاب-الجزائر-1993-ص153
(14) نفسه:ص153
(15) أحمد حمدي:جذور الخطاب الأيديولوجي الجزائري-دار القصبة للنشر-الجزائر-2001-ص67
(16) عبدالحميد وزو:ثورة بوعمامة1881-1908(جانبها العسكري1881-1883)-الشركة الوطنية للنشر والتوزيع-الجزائر-1981-ص07-Djillali Sari:l’Insurrection de1881-1882-SNED-1980-p24،محمد السناوي:أضواء على ثورة بوعمامة1881-مقالة-مجلة التاريخ-العدد10-السداسي الأول-المركز الوطني للدراسات التاريخية-الجزائر1981-ص07-
(17) اسم بوعمامة:جاء في المصادر التاريخية بأن الاسم الذي سمي به في الأصل بوعمامة وليس محمداكما هو شائع،لأنه كان يضع العمامة على رأسه.ينظر إلى عبدالحميد زوزو:المرجع السابق-ص07
(18) محمد السناوي:المرجع السابق-ص07-عبدالحميد زوزو:المرجع السابق-ص07
(19) محمد بوحلة التعريف بشخصية الشيخ بوعمامة-الملتقى الوطني الأول لمقاومة الشيخ بوعمامة-الجزائر-1999-ص05-محمد مولاي:استمرارية مقاومة الشيخ بوعمامة-بدون تاريخ-ص106
وفي مصادر تاريخية أخرى ولد بقصر حمام الفوقاني بقصر فقيق حوالي 1838م أو 1840م.وفي رواية تقول بمولده في فرات مستورة قرب نخلة ابن ابراهمي في وادي زوزفانة،.ينظر إلى عبدالحميد زوزو-المرجع السابق-ص37،وعند محمد بوحلة أن الشيخ بوعمامة ولد سنة1251هـ-1883م بمغرار التحتاني قرب العين الصفراء.ينظر إلى التعريف بشخصية الشيخ بوعمامة-ص05-بينما ذكر ل.روسلي(L.Rousselet) أن أبي عمامة ولد بمغرار التحتاني.ينظر إلى: les confins du Maroc- - -1905-p159-BSGOفي حين ذكر موليراس (Mouleras) وبولاسكا (Polaska) أنه ولد في فقيق أو فجيج،ومنهارحلت عائلة الشيخ بوعمامة إلى مغراروهو صغير.ينظر إلى:les oulad Belhorma-Alger--p08-1908-BSG
(20)L.Rouselet: op.cit.p159 -محمد مولاي: المرجع السابق-ص106
(21) محمد مولاي:المرجع السابق -ص103-محمد بوحلة:المرجع السابق-ص05 OctaveDepon ;XavierCoppolani:Lesconfréries religieuses musulmanes-BSGO oran-janvier ;mars-1905 ;p476
(22) محمد مولاي:استمرارية مقاومة الشيخ بوعمامة-ص106
(23) نفسه:ص107(24) نفسه:ص105(25) نفسه:ص105
(26) محمد مولاي:المرجع السابق-ص105
(27) محمد بوحلة:المرجع السابق-ص06
(28)عبدالحميد زوزو:ثورة بوعمامة-ص38
(29)محمد مولاي:المرجع السابق-ص105
(30) عبدالحميد زوزو:المرجع السابق-ص41 عن جريدة البرهان-العدد14-أوت 1881
(31) محمد بوحلة:المرجع السابق-ص06
(32) محمد مولاي:المرجع السابق-ص105
(33) د.بوعلام بسايح:المرجع السابق-ص09
(34) محمد بوحلة:المرجع السابق-ص07
(35) د.بوعلام بسايح:المرجع السابق-ص10
(36) د.يحي بوعزيز:ثورات الجزائر في القرنين التاسع عشر والعشرين-ج1-ط2-منشورات المتحف الوطني للمجاهدـ الجزائر-1996-ص163-Noèl: Documents pour servir à l’histoire de hamayn-BSGO -1915-1916-p150 –Djillali Sari:op.cit.p25
(37) عمارة بن خليفة:المنابع الروحية وأسلاف الشيخ بوعمامة-الملتقى الوطني الأول حول مقاومة الشيخ بوعمامةمابين9و10/04/2001- النعامة-2001 -ص06
(38) محمد مولاي:المرجع السابق-ص106
(39) د.بوعلام بسايح:المرجع السابق-ص10
(40) عبدالحميد زوز:المرجع السابق-ص42
(41) غرس الله عبدالحفيظ:الزاوية فضاء للتنشئة الاجتماعية مقاربة سوسيو-تاريخية-مجلة المواقف-العدد الأول-المركز الجامعي مصطفى اسطمبولي-معسكر-ديسمبر2007-ص.ص17-18
(42) د.أبو القاسم سعد الله:تاريخ الجزائر الثقافي ج1 الشركة الوطنية للنشروالتوزيع الجزائر1981 ص261
(43) عبدالحميد زوز:المرجع السابق-ص43
(44) محمد مولاي:المرجع السابق-ص106 منقول للفائدة